للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

قال الحافظ (١): واستدل به على أن الغنائم لا يستقر ملك الغانمين عليها إلَّا بعد القسمة، وبه قال المالكية والحنفية، وقال الشافعي: يملكون بنفس الغنيمة، والجواب عن حديث الباب أنه محمول على أنه كان يستطيب أنفس الغانمين، وليس في الحديث ما يمنع ذلك، فلا يصلح للاحتجاج به، واستبعد ابن المنير الحمل المذكور، فقال: إن طيب قلوب الغانمين بذلك من العقود الاختيارية، فيحتمل أن لا يذعن بعضهم، فكيف بتَّ القول بأنه يعطيه إياهم، مع أن الأمر موقوف على اختيار من يحتمل أن لا يسمح؟

وقد اختلف السلف في المقاتل الأسير بأن الإمام بالخيار فيه، في أن يقتل أو يمنَّ عليه، أو يفادي أو يسترقّ، فقال الإِمام الشافعي - رحمه الله -: هو مخير بين هذه الأمور يفعل ما يشاء، وروي عن الحسن البصري أنه كره قتل الأسير، وقال: منّ عليه أو فاداه، وكذلك قال عطاء، وروي عن ابن عمر أنه دفع إليه عظيم من عظماء إصطخر ليقتله، فأبى أن يقتله، تلا قوله تعالى: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} (٢)، وكذا روي عن مجاهد وابن سيرين كراهة قتل الأسير.

وقال الإِمام أبو حنيفة - رحمه الله -: إن الإِمام مخيَّر في الأسير بين أن يقتله أو يسترقَّه، ولا يجوز له أن يمن عليه أو يفادي، فاتفق فقهاء الأمصار على جواز قتل الأسير، لا نعلم بينهم خلافًا فيه، وإنما اختلفوا في فدائه، فقال أصحابنا الأحناف في ظاهر الرواية: لا يفادى الأسير بالمال، ولا يباع الصبي من أهل الحرب، ولا يفادون بأسرى المسلمين أيضًا.

وقال أبو يوسف ومحمد: لا بأس أن يفادى أسرى المسلمين بأسرى المشركين، وهو قول الثوري والأوزاعي والشافعي ومالك وأحمد إلَّا بالنساء، فأما المجيزون للفداء بأسرى المسلمين وبالمال، فإنهم احتجُّوا بقوله تعالى: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً}، وظاهره يقتضي جوازه بالمال وبالمسلمين، وبأن النبي - صلى الله عليه وسلم - فدى أسارى بدر بالمال.


(١) "فتح الباري" (٦/ ٢٤٣).
(٢) سورة محمد: الآية ٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>