للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ, يَرُدُّ مُشِدُّهُمْ عَلَى مُضْعِفِهِمْ,

===

وأما الحرية فليست بشرط لصحة الأمان، فيصح أمان العبد المأذون في القتال بالإجماع، وهل يصح أمان العبد المحجور عن القتال؟ اختلف فيه، قال أبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله: لا يصح، وقال محمد: يصح، وهو قول الشافعي رحمهما الله، وجه قول محمد والشافعي قوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث: "يسعى بذمتهم أدناهم"، والذمة العهد، والأمان نوع عهد، والعبد المسلم أدنى المسلمين فيتناوله الحديث.

وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: الحديث لا يتناول المحجور, لأن الأدنى إما أن يكون من الدناءة، وهي الخساسة، وإما أن يكون من الدنو، وهو القرب، والأول ليس بمراد, لأن الحديث يتناول المسلمين بقوله: "المسلمون تتكافأ دماؤهم"، ولا خساسة مع الإِسلام، والثاني لا يتناول المحجور, لأنه لا يكون في صف القتال، فلا يكون أقرب إلى الكفرة.

قلت: قال الحافظ في "الفتح" (١): وأما العبد فأجاز الجمهور أمانه، قاتل أو لم يقاتل، وقال أبو حنيفة: إن قاتل جاز أمانه، وإلَّا فلا، قلت: ولم يظهر لي فرق بين مدلولي الجملتين، وهو قوله: "يسعى بذمتهم أدناهم"، وقوله: "يجير عليهم أقصاهم"، والظاهر أنهما بمعنى واحد (٢).

(وهم يد على من سواهم)، كأنه دليل على ما قبله، ولأن أخوة الإِسلام جمعتهم، وجعلتهم كَيَدِ واحدة، فإذا أعطى الأمان، يلزم الكل، ولا يسعهم التخاذل، بل يجب على كل واحد نصرة أخيه.

(يرد مشدُّهم) أي: قويهم (على مضعفهم) وهو الضعيف باعتبار نفسه،


(١) "فتح الباري" (٦/ ٢٧٤).
(٢) قلت: وذكر في الحاشية عن الخطابي للجملة الثانية معنى آخر، ولفظه: أن بعض المسلمين وإن كان قاصي الدار إذا عقد للكافر عقدًا لم يكن لأحد منهم أن ينقضه وإن كان أقرب دارًا من المعقود له. (ش).

<<  <  ج: ص:  >  >>