للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

وفي المشهور أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ذكاة الجنين ذكاة أمه"، معناه ذكاة الأم نائبة عن ذكاة الجنين، كما يقال: لسان الوزير لسان الأمير، وبيع الوصي بيع اليتيم، وروي "ذكاة أمه" بالنصب، ومعناه بذكاة أمه، إلَّا أنه صار منصوبًا بنزع حرف الخفض منه، كقوله تعالى: {مَا هَذَا بَشَرًا} (١) أي: ببشر.

وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -: "أن قومًا سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقالوا: إنا لننحر الجزور"، الحديث. والمعنى فيه أن الذكاة تنبني على التوسع حتى يكون في الإبل بالذبح في المذبح، فإذا نَدَّ فبالجرح في أي موضع أصابه، لأن ذلك وسع مثله، والذي في وسعه في الجنين ذبح الأم, لأنه ما دام مخبيًا في البطن لا يتأتى فيه فعل الذبح مقصودًا، وبعد الإخراج لا يبقى حيًا، فتجعل ذكاة الأم ذكاة له, لأن تأثير الذبح في الأم في زهوق الحياة عن الجنين فوق تأثير الجرح بحل رِجل الصيد، فالغالب هناك السلامة وهناك الهلاك، ثم اكتفى بذلك الفعل, لأنه وسع مثله، فهنا أولى.

ولأن الجنين في حكم جزء من أجزاء الأم حتى يتغذى بغذائها، وينمو بنمائها، ويقطع عنها بالمقراض كما في بيان الجزء من الجملة، ويتبعها في الأحكام تبعية الأجزاء، حتى لا يجوز استثناء في عنقها وبيعها كاستثناء يدها ورجلها، وثبوت الحل في التبع لوجود فعل الذكاة في الأصل.

والدليل عليه أنه يحل ذبح الشاة الحامل، ولو لم يحل الجنين بذبح الأم لَمَا حَلَّ ذبحها حاملًا لِمَا فيه من إتلاف الحيوان لا للمأكلة، ونهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك.

وقال الإِمام السرخسي في "مبسوطه" (٢): وأبو حنيفة - رحمه الله - استدل بقوله تعالى: {وَالْمُنْخَنِقَةُ} (٣)، فإن أحسن أحواله أن يكون حيًا عند ذبح الأم،


(١) سورة يوسف: الآية ٣١.
(٢) (١٢/ ٦).
(٣) سورة المائدة: الآية ٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>