ففي الأول: الأعنى والأهمّ شرح التراجم وبيان أغراض الإِمام في ما أودعه من العلوم في تراجم الأبواب، ووضع تراجم خاصة لم يتعرّض لمثلها المحدثون في كتبهم قاطبة، ولا تقلّ هذه المشكلات عن شرح الأحاديث، وربما يصرف أكثر جهود الشارحين والمدرسين في بيانها وتفهيمها، وقد تضاربت الأقوال والأبحاث مِن أقدم العصور إلى اليوم، ولا يزال كثير منها إلى اليوم روضًا أنفًا لم يرتع في حماه أحد، ولم تطمئن القلوب الصادية بالبيان الشافي، ولم تشف غلّة الباحث.
وهكذا الثاني: فيه من أغراض الإِمام المؤلف في تعليقاته وبيانها الشافي وتخريجها، فتراجم الإِمام في الأبواب وإن كانت واضحة غير أنَّ أغراضها في تعليقاته ربما تخفى وتحتاج إلى بحث وكشف، وأبواب الاستحاضة أشدّ إغلاقًا وأكثر إشكالًا من جهة غرض المؤلف، ولا يزال قدر كثير منها في خفاء وغموض ودقّة، قَل من ينتهض بأعبائها بما يشفي الغليل، فلا ريب أنَّ كمال كل شرح إنما يبدو في حل تلك المشكلات وبيان تلك المعضلات.
فأقدم شرح وأول شرح هو "معالم السنن" للإِمام الخطابي وبينه وبين أبي داود نحو ثمانين عامًا، فقد شرح الأحاديث شرحًا فقهيًّا لا حديثيًّا، وإن كان أبرع شرح من جهة المسائل الفقهية وأعلاها، فإنه لم يتعرَّض لحلّ التعليقات بما تحتاج إليه الأجيال المتأخرة، وكل شرح له خصائص لا تغني عن الآخر.
وشروح المتأخّرين من أهل الهند فيها فوائد، ولكن من جهة الحلّ الصائب المقنع لا تسمن ولا تغني من جوع.
وأحسن شرح في كثير من الجهات هو كتاب:"المنهل العذب المورود"، للشيخ محمود الخطّاب - رحمه الله - من أهل العصر، ولكن