للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لَعَلَّكَ أَنْ (١) تُخَلَّفَ حَتَّى يَنْتَفِعَ بِكَ أَقْوَامٌ وَيُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ أَمْضِ لأَصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ وَلَا تَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ،

===

(لعلك أن تُخَلَّفَ) فتعيش بعدي، (حتى ينتفع بك أقوام) في دينهم ودنياهم بأن أسلموا وفازوا بالنعيم المقيم (ويُضَرَّ بك آخرون) وهم الكفار في دينهم ودنياهم، فإنهم قتلوا وصاروا إلى جهنم، وسبيت نساؤهم وأولادهم، وغنمت أموالهم وديارهم، وهذا الحديث من المعجزات, لأن سعدًا - رضي الله عنه - عاش بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى فتح العراق وغيره، وولي العراق فاهتدى على يديه خلائق، وتضرر خلائق بإقامة الحق فيهم من الكفار ونحوهم.

قال القاضي (٢): قيل: لا يحبط أجر هجرة المهاجر بقاؤه (٣) بمكة وموته بها إذا كان لضرورة، وإنما كان يحبطه ما كان بالاختيار، وإنما خاف سعد إشفاقًا من موته بمكة لكونه هاجر منها فتركها لله تعالى، فخشي أن يقدح ذلك في هجرته أو في ثوابه عليها، أو خشي بقاءه بمكة بعد انصراف النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه إلى المدينة وتخلفه عنهم بسبب المرض، وكانوا يكرهون الرجوع فيما تركوه لله تعالى، وعليه تدل هذه الرواية: "يا رسول الله، أتخلف عن هجرتي".

وقال قوم: موت المهاجر بمكة محبط هجرته كيفما كان، وقيل: لم تفرض الهجرة إلَّا على أهل مكة خاصة.

(ثم قال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (اللَّهُمَّ أمض لأصحابي هجرتهم ولا تردهم على أعقابهم) قال القاضي: استدل به بعضهم على أن بقاء المهاجر بمكة كيف كان قادح في هجرته، قال: ولا دليل فيه عندي, لأنه يحتمل أنه دعا لهم دعاءً عاما، ومعنى "أمض لأصحابي هجرتهم" أي: أتممها ولا تبطلها, ولا تردهم على أعقابهم بترك هجرتهم ورجوعهم عن مستقيم حالهم المرضية.


(١) في نسخة بدله: "لن".
(٢) "إكمال المعلم" (٥/ ٣٦٦). وانظر: "شرح صحيح مسلم" للنووي (٦/ ٩١).
(٣) في الأصل: "لبقائه"، وهو تحريف.

<<  <  ج: ص:  >  >>