كانا لا يطلبان إلَّا الصواب، فقال عمر - رضي الله عنه -: لا أوقع عليه اسم القَسَم، أَدَعُه على ما هو عليه.
وفي الحديث أبحاث:
أولها: أن العباس وعليًّا - رضي الله عنهما - يعلمان أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"لا نورث"، فكيف جاءا إلى أبي بكر يطلبانِ الميراث؟ وإن سلِّم أنهما خفي عليهما هذا الحديث، فكيف جاءا إلى عمر وقد أَقَرّا عنده بهذا الحديث؟
وثانيها: ما وقع في رواية "مسلم" من كلام العباس - رضي الله عنه - في علي بأنه قال: اقضِ بيني وبين هذا الكاذب الآثم الغادر الخائن، وكلام عمر - رضي الله عنه -: رأيتماه كاذبًا آثمًا غادرًا خائنًا، والله يعلم أنه لصادق بارٌّ راشِدٌ تابعٌ للحق، وكذلك قول عمر - رضي الله عنه -: فرأيتماني كاذبًا آثمًا غادرًا خائنًا.
والجواب عن الأول: أن عباسًا وعليًّا - رضي الله عنهما - لعلهما في أول الأمر حين طَلَبَا الميراث من أبي بكر لم يطّلعا على الحديث، أو علماه ولكن ذَهَلا عنه، ثم لما نَبَّههُما أبو بكر عَلِمَا بذلك، ثم لما عَلِمَا الحديث من أبي بكر لم يطلبا الميراث من عمر - رضي الله عنه - بل طلبا منه أن يُعطيهما بطريق التولية، فأعطاهما عمر على ذلك، وأكّد عليهما العهد والميثاق بذلك، ثم لما وقع النزاع بينهما جاءا إلى عمر ثانيًا وطلبا منه أن تكون تلك الأموال على ذلك العهد والميثاق ولكن تقسم بينهما، فيكون كل واحد منهما على نصفه متوليًا كما كانا متوليين قبل القسمة، ولكن عمر - رضي الله عنه - لم يرض بذلك، ولم يُجز أن يقع اسم القسمة عليه، فيظن أنه كان ميراثًا نصفه للعم والنصف الآخر لزوج البنت حصة البنت.
والدليل على ذلك أن بعد هذه القصة لم يطلب أحدٌ من الورثة من أولاد علي - رضي الله عنه - ومن أولاد العباس - رضي الله عنه - الميراث، وكذلك