احتج الشافعي بما روي:"أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقطع بلال بن الحارث المعادن القبلية وكان يأخذ منها ربع العشر"، ولأنها من نماء الأرض وريعها، وكان ينبغي أن يجب فيه العشر، إلا أنه اكتفى بربع العشر لكثرة المؤنة في استخراجها.
ولنا ما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:"وفي الركاز الخمس"، وهو اسم للمعدن حقيقة، وإنما يطلق على الكنز مجازًا لدلائل:
أحدها: أنه مأخوذ من الركز وهو الإثبات، وما في المعدن هو المثبت في الأرض لا الكنز, لأنه وضع مجاورًا للأرض.
والثاني: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل عما يوجد من الكنز العادي؟ فقال:"فيه وفي الركاز الخمس"، عطف الركاز على الكنز، والشيء لا يعطف على نفسه هو الأصل، فدل أن المراد منه المعدن.
والثالث: ما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما قال:"المعدن جبار، والقليب جبار، وفي الركاز الخمس"، قيل: وما الركاز يا رسول الله؟ فقال:"هو المال الذي خلقه الله تعالى في الأرض يوم خلق السموات والأرض"، فدل على أنه اسم للمعدن حقيقة، فقد أوجب النبي - صلى الله عليه وسلم - الخمس في المعدن من غير فصل بين الذهب والفضة وغيرهما، فدل أن الواجب هو الخمس في الكل.
ولأن المعادن كانت في أيدي الكفرة، وقد زالت أيديهم، ولم تثبت يد المسلمين على هذه المواضع؛ لأنهم لم يقصدوا الاستيلاء على الجبال والمفاوز، فبقي ما تحتها على ملك الكفرة، وقد استولى عليه على طريق القهر بقوة نفسه فيجب فيه الخمس، ويكون أربعة أخماسه له كما في الكنز، ولا حجة له في حديث بلال بن الحارث, لأنه يحتمل أنه إنما لم يأخذ منه ما زاد على ربع العشر لما علم من حاجته، وذلك جائز عندنا على ما نذكره فيحمل عليه عملًا بالدليلين.