للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ, فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ دِينَهُ وَعِرْضَهُ, وَمَنْ وَقَعَ فِى الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِى الْحَرَامِ». [خ ٥٢، م ١٥٩٩، وانظر سابقه]

===

كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات) أي ما فيه الشبهات (استبرأ) أي طلب البراءة وطَهَّر (دينه وعِرْضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام) (١).

قال الخطابي (٢): هذ الحديث أصل في الورع، وفيما يلزم الإنسانَ اجتنابُه من الشبه والريب، ومعنى قوله: "وبينهما أمور مشتبهات"، أي إنها تشتبه على بعض الناس دون بعض، وليس إنها في ذوات أنفسها مشتبهة لا بيان لها في جملة أصول الشريعة، فإن الله تعالى لم يترك شيئًا يجب له فيه حكم إلَّا وقد جعل فيه بيانًا، ونصب عليه دليلًا، ولكن البيان ضربان: بيان جلي يعرفه عامة الناس كافة، وبيان خفي لا يعرفه إلَّا الخاص من العلماء الذين عنوا بعلم الأصول، واستدركوا معاني النصوص، وعرفوا طرقَ القياسِ والاستنباطِ، وردَّ الشيء إلى المثل والنظير.

ودليل صحة ما قلناه، وأن هذه الأمور ليست في أنفسها مشتبهة: قولُه: "لا يعرفها كثير من الناس"، وقد عقل ببيان فحواه أن بعض الناس يعرفونها وإن كانوا قليلي العدد، فإذا صار معلومًا عند بعضهم فليس بمشتبه في نفسه، ولكن الواجب على كل من اشتبه عليه أن يتوقف، ويستبرئ الشكَ، ولا يُقدِم إلَّا على بصيرة، فإنه إن أقدم على الشيء قبل التثبت والتبين لم يأمن أن يقع في المحرَّم عليه، وذلك معنى الحمى وضربِه المثلَ به.

وقوله: "الحلال بيِّن والحرام بيَّن"، أصل كبير في كثير من الأمور والأحكام إذا وقعت فيها الشبهة أو عرض فيها الشك، ومهما كان ذلك فإن


(١) بسط العيني (١/ ٤٣٧) الكلام على الحديث بما لا مزيد عليه، وسيأتي في "باب ما لم يذكر تحريمه": "ما سكت عنه فهو عفو". (ش).
(٢) "معالم السنن" (٣/ ٥٦ - ٥٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>