الواجب أن ينظر، فإن كان للشيء أصلٌ في التحليل والتحريم فإنه يتمسك به ولا يفارقه باعتراض الشك، حتى يزيله عنه بيقين العلم.
فالمثال في الحلال والحرام الزوجة للرجل، والجارية تكون عنده يتسرَّى بها ويطؤها، فيشك هل طلق تلك أو أعتق هذه، فهما عنده على أصل التحليل، حتى يتيقن وقوع طلاق أو عتق. وكذلك الماء يكون عنده، وأصله الطهارة، فيشك هل وقع فيه نجاسة أم لا؟ فهو على أصل الطهارة، حتى يتيقن أن قد حَلَّته نجاسة. وكالرجل يتطهر للصلاة، ثم يشك في الحدث، فإنه يصلي ما لم يعلم الحدث يقينًا، وعلى هذه الأمثلة.
وأما الشيء إذا كان أصله الحظر، وإنما يُسْتَباح على شرائط وعلى هيئة معلومة، كالفروج لا تحل إلَّا بعد نكاح أو ملك يمين، وكالشاة لا يحل لحمها إلا بذكاة، فإنه مهما شك في وجود تلك الشرائط وحصولها يقينًا على الصفة التي جعلت علمًا للتحليل كان باقيًا على أجل الحظر والتحريم.
وعلى هذا المثال لو اختلطت امرأة بنساء أجنبيات، أو اختلطت مذكاة بميتات ولم يميزها بعينها, لزمه أن يجتنبها كلها ولا يقربها، وهذان قسمان حكمهما الوجوب واللزوم.
وههنا قسم ثالث، وهو أن يوجد الشيء ولا يُعْرَف له أصل متقدم في التحليل ولا في التحريم، وقد استوى وجه الإمكان فيه حلًا وحرمة، فإن الورع فيما هذا سبيله الترك والاجتناب، وهو غير واجب عليه وجوب النوع الأول، وهذا كما روي عن رسول الله أنه مر بتمرة ملقاة في الطريق فقال:"لولا أني أخاف أن تكون صدقة لأكلتها"، وقُدَّمَ له الضَّبُّ فلم يأكله، وقال:"إن أمة مُسِخَتْ فلا أدري لعله منها"، أو كما قال. ثم إن خالد بن الوليد أكله بحضرته فلم ينكره.