أن نهيَ النبي - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة، يحتمل أن يكون ذلك لعدم الوقوف منه على المثل، ويحتمل أن يكون من قِبَل ما قال أهل المقالة الأولى في الحنطة بالحنطة في البيع والقرض.
فإن كان إنما نهى عن ذلك من طريق عدم وجود المثل، ثبت ما ذهب إليه أهل المقالة الثانية، وإن كان من قبل أنهما نوع واحد لا يجوز بيع بعضه ببعضه نسيئة، لم يكن في ذلك حجة لأهل المقالة الثانية على أهل المقالة الأولى، فاعتبرنا ذلك، فرأينا الأشياء المكيلات والموزونات لا يجوز بيع بعضها ببعض نسيئة، ولا بأس بقرضها، ورأينا ما كان من غيرها، مثل الثياب وما أشبهها، فلا بأس ببيع بعضها ببعض وإن كانت متفاضلة.
وبيع بعضها ببعض نسيئة فيه اختلاف الناس، فمنهم من يقول: ما كان منها من نوع واحد فلا يصلح بيع بعضه ببعضه نسيئة، وما كان منها من نوعين مختلفين فلا بأس ببيع بعضه ببعضه نسيئة، وممن قال بهذا القول: أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد - رحمة الله عليهم أجمعين -.
ومنهم من يقول: لا بأس ببيع بعضها ببعض يدًا بيد ونسيئة، وسواء عنده كانت من نوع واحد أو من نوعين.
فهذه أحكام الأشياء المكيلات والموزونات والمعدودات غير الحيوان على ما فسرنا، فكان غير المكيل والموزون لا بأس ببيعه بما هو من خلاف نوعه نسيئة، وإن كان المبيع والمبتاع ثيابًا كلها، وكان الحيوان لا يجوز بيع بعضه ببعض نسيئة وإن اختلفت أجناسه، لا يجوز بيع عبد ببعير، ولا ببقرة، ولا بشاة نسيئة.
ولو كان النهي من النبي - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة إنما كان لاتفاق النوعين، لجاز بيع العبد بالبقرة نسيئة؛ لأنها من غير نوعه، كما جاز بيع ثوب الكتان بثوب القطن الموصوف نسيئة، فلما بطل ذلك في نوعه، وفي غير