إلى عرضه على أصل آخر؛ لأنه إن وافقه فذاك، وإن خالفه لم يجز رد أحدهما؛ لأنه رد للخبر، وهو مردود باتفاق؟ انتهى.
قلت: ثم نقل عن ابن السمعاني من قوله: والأولى عندي في هذه المسألة تسليم الأقيسة، لكنها ليست لازمة؛ لأن السنَّة الثابتة مقدمة عليها، وعلى تقدير التنزل فلا نسلم أنه مخالف لقياس الأصول؛ لأن الذي ادعوه عليه من المخالفة بينوها بأوجه:
أحدها: أن المعلوم من الأصول أن ضمان المثليات بالمثل، والمتقومات بالقيمة، وههنا إن كان اللبن مثليًا فليضمن اللبن، وإن كان متقومًا فليضمن بأحد النقدين، وقد وقع هنا مضمونًا بالتمر، فخالف الأصل، والجواب منع الحصر، فإن الحر يضمن في ديته بالإبل، وليس مثلًا له ولا قيمة، [و] أيضًا فضمان المثل بالمثل ليس مطردًا، فقد يضمن المثل بالقيمة إذا تعذرت المماثلة، كمن أتلف شاةً لبونًا، كان عليه قيمتها, ولا يجعل بإزاء لبنها لبنًا آخر لتعذر المماثلة، انتهى.
قلت: قوله: فلا نسلم أنه مخالف لقياس الأصول إلى آخره، غير مسلم؛ لأن مخالفته للقاعدة الأصلية ظاهرة، وهي أن ضمان المثل بالمثل، وضمان المتقوم بالقيمة، وهذه القاعدة مطردة في بابها، وضمان المثل بالقيمة عند التعذر خارج عن باب القاعدة المذكورة، فلا يرد عليه الاعتراض بذلك؛ لأن باب التعذر مستثنى عنها، والتعذر تارة يكون بالاستحالة كما في ضمان الحر بالإبل، وتارة يكون بالعلم كتعذر المماثلة في ضمان لبن الشاة اللبون.
وأيضًا في مسألة الشاة اللبون، اللبن جزء من أجزائها فيدخل في ضمان الكل، ودفع الصالح من التمر أو غيره مع اللبن في المصراة إنما كان في وقت العقوبة بالأموال في المعاصي (١).