فلا خيار بعد ذلك إلّاِ بشرط شرط فيه، أو خيار العيب، والدليل عليه حديث سمرة - رضي الله عنه - أخرجه النسائي، ولفظه:"أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، ويأخذ كل واحد منهما من البيع ما هوى، ويتخيران ثلاث مرات".
قال الطحاوي: قوله في هذا الحديث: "ويأخذ كل منهما ما هوى"، يدل على أن الخيار الذي للمتبايعين إنما هو قبل انعقاد البيع بينهما، فيكون العقد بينه وبين صاحبه فيما يرضاه منه لا فيما سواه مما لا يرضاه، إذ لا خلاف بين القائلين في هذا الباب بأن الافتراق المذكور في هذا الحديث هو بعد البيع بالأبدان أنه ليس للمبتاع أن يأخذ ما رضي به من المبيع ويترك بقيته، وإنما له عنده أن يأخذه كله أو يدعه كله.
قلت: فدل هذا أن التفرق بالقول لا بالأبدان، وقول الخطابي: هو مبطل لكل تأويل، غير مسلم؛ لأن التأويلين إذا تقابلا وقف الحديث، ويعمل بالقياس، وهو أن تقاسَ العقودُ من البيع ونحوها التي تكون بالمنافع كالإجارات، على ما كان يملك به من الإبضاع، كالأنكحة، فكما لا تشترط فيه الفرقة بالأبدان بعد العقد، فكذا لا تشترط في عقود البيع، والجامع كون كل منهما عقدًا يتم بالإيجاب والقبول.
وقال مالك: ليس لفرقتهما حد معلوم، ولا وقت معلوم، وهذه جهالة وقف البيع عليها، فيكون كبيع الملامسة والمنابذة، وكبيع بخيار إلى أجل مجهول، وما كان كذلك فهو فاسد قطعًا، انتهى.
قلت: وهذا الكلام في الحديث يحتمل معنيين:
أحدهما: معناه يخير أحدهما صاحبه، يعني يقول: المتبايعان كل واحد منهما بالخيار إلَّا أن يخير أحدهما صاحبه فيقول له: اختر البيع، فيختار البيع، فحينئذ يسقط الخيار، ولا يمتد إلى آخر المجلس. والثاني: معناه أن يقول أحدهما لصاحبه: اختر، أي: أدخل الخيار في البيع إن شئت، فيدخل الخيار في البيع، فيكون الخيار ممتدًا إلى مدة الشرط.