للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

الجانبين، لزم البيع، ولا يبقى الخيار لهما في الفسخ، إلَّا في صورة خيار الشرط والعيب. واحتج الشافعية بهذه الأحاديث، ولا حجة لهم في ذلك؛ لأن الأحاديث الواردة في الباب يحتمل تفرق الأبدان، ويحتمل تفرق الأقوال، كما في قوله تعالى: {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ} (١) فمع احتمال المخالف لا يبقى الاستدلال.

وأما ترجيحهم بفعل ابن عمر وبفعل أبي بَرزة فلعلهما لا يرجحان؛ لأن فعلهما مبني على مجرد رأيهما وفهمهما، والحجة في قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لا في فهم الصحابي، خصوصًا إذا كان بين فهم الصحابيين اختلاف، وخصوصًا إذا كان فهم الصحابي مخالفًا لظاهر النص.

وأما حجة أصحابنا الحنفية، فهو ظاهر قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} (٢). أباح الله سبحانه وتعالى الأكل بالتجارة عن تراض مطلقًا عن قيد التفرق عن مكان العقد، وعنده إذا فسخ أحدهم العقد في المجلس لا يباح الأكل، فكان ظاهر النص حجة عليه، وأما الأحاديث الواردة في هذا الباب فقد تقدم أن يقال: يمكن أن تحمل على التفرق بالأقوال.

ويؤيد الحنفية ما رواه البخاري (٣) عن ابن عمر - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اشترى من عمر بكرًا صعبًا، فوهبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لابن عمر بعد الشراء قبل أن يتفرقا، فلو لم يكن التصرف حلالًا قبل التفرق، ولم يتم البيع، كيف وهب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - البكر لابن عمر؟ ! فثبت بذلك أن التصرف في المبيع بعد العقد، وإن لم يخير أحدهم الآخر جائز.


(١) سورة النساء: الآية ١٣٠.
(٢) سورة النساء: الآية ٢٩.
(٣) انظر: "صحيح البخاري" (٢١١٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>