قال في "فتح الودود": قوله - صلى الله عليه وسلم -: "اذهبوا فقاسموهم"، يدل على أنه جعل اليمين مع الشاهد سببًا للصلح، والأخذ بالوسط بين المدعي والمدعى عليه، لا أنه قضى بالدعوى بهما، انتهى.
قال الخطابي (١): وفي هذا الحديث استعمال اليمين مع الشاهد في غير الأموال، إلا أن إسناده ليس بذاك، وقد يحتمل أيضًا أن يكون اليمين قصد بها ها هنا المال؛ لأن الإسلام يعصم المال كما يحقن الدم.
وكتب مولانا محمد يحيى المرحوم من تقرير شيخه - رحمه الله -: قوله: "فتحلف مع شاهدك الآخر"، هذا هو الذي احتجوا به على مرامهم، وهو الحكم على الشاهد مع اليمين، ولا يثبت به شيء؛ لأن ذلك الحلف منه لم يكن لإثبات الحكم، بل ليعلم صدقه في دعواه، وجزمه في ما ادَّعاه، فلو نكل عنه لعلم كذبه من صدقه.
وأما الحكم فلم يثبت بيمينه أيضًا مع الشاهد؛ لأن نصاب الشهادة لم يتم، ويمين المدعي لا يفيد، ولم يكنْ ثَمَّ مُدَّعَى عليه حتى يحلف؛ لأن العسكر كانوا مأمورين من جهته - صلى الله عليه وسلم -، فلم يكن ذلك إلَّا عرض حالهم، لا إثباتًا لدعوى الإسلام على أحد، وإنما فهم هؤلاء أنه كان ادعاء للأموال على أهل العسكر، وكان العسكر منكرًا استحقاق هؤلاء إياها لكونهم أسلموا بعد الأسر.
ومما يدل على ما اخترناه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يحكم لهم، إلَّا بنصف المال، ولولا أن المدعى لا يثبت بشاهد ويمين، لما فعل ذلك؛ لأنه لم يكن على تقدير ثبوت إسلامهم أن يأخذ شيئًا من أموالهم.
وأيضًا أن قوله عليه السلام: "إن الله لا يحب ضلالة العمل"، أقوى حجة