على أنهم في أخذ أموال هؤلاء لم يكونوا على باطل لا يشكر على عمله، ولا يؤت له جُعْلٌ على عمله كائنًا ما كان، كالسارق والغاصب، ومن كان مثلهم، فلو كان أخذ الجيش من هذا القبيل، كما قلتم، لما كان أخذهم أموالهم أقل من الغصب لثبوت إسلامهم على حسب زعمكم.
ونحن نقول: إن إسلامهم لم يثبته يمينهم؛ لأن يمين المدعي لا يفيد، وذلك لو سُلِّمَ أنه كان دعوى منهم، ولم يتم نصاب الشهادة أيضًا، فلم يبق ثبوت الإسلام إلَّا في حَيِّز الخفاء، غير أنه - صلى الله عليه وسلم - أحب أن لا يخيبهم، فرد عليهم نصف أموالهم، كما رد على هوازن كلها، وكان ذلك لإذن أهل العسكر لذلك.
وأما قصة الزربية، فلا حجة فيها، على أن بني العنبر كانوا ملكوا أموالهم، بل الذي فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - من أمر الزربية بأخذ صاحبه، إنما كان لأنه خالف عِدَةَ النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث أخذ بعد المناصفة والتقسيم من حق العجوز.
ثم إن القاضي يجوز له أن يأخذ من مال المديون للدائن بقدر حقه الذي عليه، ولو من غير جنس حقه، كما يظهر من إيتاء النبي - صلى الله عليه وسلم - سيفه له، بعد ما ثبت له حق في الزربية، وهذا ما اختاره الشافعي والمتأخرون من أصحابنا.
وأما المتقدمون منهم فلم يجوزوا له أن يقتضي لصاحب الحق إلَّا من عين حقه، وأثبت بعضهم الحكم في العروض أيضًا دون العقارات، وسوَّى بعضهم بين النقدين فحسب.
وأيضًا: ففي الرواية دلالة على أن الغاصب يملك المغصوب بعد أداء الضمان، ولولا ذلك، لنادى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يؤتى بالزربية أينما كانت؛ لأنها لم تكن إلَّا في العسكر، كما هو الظاهر، وكان الانتفاع بها حرامًا عندكم، فكيف يمكن أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - اكتفى بإيجاب الضمان عليه، ولم يعزم عليه الإتيان بها؟ ! .
وأيضًا: ففيه إشارة إلى نفاذ تصرفات الغاصب فيه بعد أداء الضمان