للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

صحبته الفيحاء، وينوّر قلبه من معارفه الزهراء إلى أن ارتوى بما لديه من عذب العلوم وكتبها، وشهد له الأساتذة الأعلام بمناصب التكميل وأعالي رُتَبها، وذلك في سنة ثمان وثمانين بعد الألف والمائتين من الهجرة، وكانت سنّه الشريفة إذ ذاك تسع عشرة سنة.

ثم لم تقتنع نفسه المنهومة في العلم، الحريصة في العرفان، بذلك القدر من الحكمة والإِيقان، فأقلقه (١) إلى مركز دوائر الأدبيّات العربيّة، ومنبع أنهار المعالم اللغوية، أستاذ الأساتذة، إمام الحفّاظ الجهابذة، أصمعيّ زمانه، وسيبويه دورانه، مولانا الشيخ فيض الحسن السهارنفوري (٢) الحنفي - قُدس سرّه العزيز- وقد كان إذ ذاك مرجع الفنون العربية ومدارها في "كليّة لاهور"، فأقام لديه شهورًا يرتشف مِن عذب بنات شفاهه، ويشنّف آذانه من مزاهر آدابه وبيانه، إلى أن رقته ألطاف المبدأ الفيّاض إلى معارج القيام بخدمة العباد، وإيصالهم إلى خفايا مكمنة في فطرهم من الهداية والرشاد، فولي خدمة التدريس بـ "منكَلور"، فشمر عن ساق الجد في طرق الإِفادة، وأسهر الليالي مجتهدًا في مطالعة الفنون والإِفاضة.

وهنالك أخذته الجذبة الإِلهيّة، والسابقة الأزليّة، واللطائف القدسية، والمنح الربّانيّة فأقلقته إلى حضور ربّ الأرباب والدخول في حلقة الروحانيين الذين أزيل عنهم الرين والحجاب، فوقف مدّة يتطلّع إلى شموس زمانه والأقمار، ويستطلع بغيته في كلّ جنّة ذات ثمار وأزهار، إلى أن تَغَرَّد بلبل التفريد، ورَنَّحَ عندليب التوحيد، وغَنَّى بلحن ناشط سديد، أن دع الهيام والحيرة، واقصد الباب الرشيد، فإنَ هنالك الفوز والوصول لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، فلبّاه بقلبه، واعتقده إشارة ربه، فلم يصبر حتى أن ألقى نفسه بفناء إمام العارفين سند الواصلين،


(١) قوله: أقلقه، أي: حرّكه.
(٢) انظر ترجمته في: "نزهة الخواطر" (٨/ ٣٩٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>