ألوفًا في السرِّ ليبغي على حكومة الإِسلام، وينحرف عنها، فقسم من هذه الجنيهات في أهل البدو، وتوافق معهم على قتال الأتراك المسلمين، وكل ذلك في السر، واتفق أن قائد الأتراك الذي كان بمكة أخبر بشيء من هذه الفتنة، فسأل الشريف عنها، فحلف عند الكعبة أنه لا أصل له، حتى اطمأن قائد الأتراك، ثم وقع ما وقع من قتلِ المسلمين، وسبي نسائهم، وإرسالِهم إلى الكفار، ولا حول ولا قوة إلَّا بالله العلي العظيم.
ويحتمل أن يكون السراء من السرور؛ لأن في ذلك الزمان بعد الحصار والمضايقةِ الشديدة نُثِرَتْ على العرب الجنيهاتُ، والحبوبُ، وسائرُ الأطعمة بعد الفقر الشديد، حتى إن أحدهم من أفقر العربان لا يملك جنيهتين مَلَكَ ثمانية وأربعين ألف جنيهة، وهو عبيد الله بن هويمل الحازمي، وكذلك غيره، سمعت هذا من أحد علماء المدينة كان عندي موصوفًا بالثقة والإتقان.
(ثم فتنة الدهيماء) وهي بضم ففتح، والدهماء السوداء، والتصغير للذم، أي الفتنة العظماء، والطامة العمياء (١)(لا تدع) أي لا تترك تلك الفتنة (أحدًا من هذه الأمة إلَّا لطمته لطمة) أي أصابته بمحنة، ومسته ببلية، وأصل اللطم هو الضرب على الوجه ببطن الكف، والمراد أن أثر تلك الفتنة يعم الناس، ويصل لكل أحد من ضررها.
(فإذا قيل: انقضت) أي توهموا أن تلك الفتنة انتهت (تمادت) أي استطالت واستمرت (يصبح الرجل فيها مؤمنًا) لتحريم دم أخيه وعرضه وماله
(١) قال ابن الأثير في "جامع الأصول" (٧٤٧٧): وقيل: أراد بالدهيماء: الداهية يذهب بها إلى الدُّهيم، وهي في زعم العرب: اسم ناقة، قالوا: كان من قصتها: أنه غزا عليها سبعة إخوة فقُتِلوا عن آخرهم، وحملوا على الدهيم، حتى رجعت بهم، فصارت مثلًا في كل داهية.