لقَدْ كَانَ ذِكْرُهُ في الْجَاهِليَّةِ الْجَهلَاءِ، يَتَكَلَّمُونَ بِهِ في كَلَامِهِمْ وَفِي شِعرهِمْ، يُعَزُّونَ بِهِ أَنْفُسَهُمْ عَلَى مَا فَاتَهُمْ، ثُمَّ لَمْ يَرِدْهُ الإسْلَامُ بَعْدُ إلَّا شِدَّةً، وَلَقَدْ ذَكَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - في غَيْرِ حَدِيثٍ وَلَا حَدِيثَيْنِ، وَقَدْ سمِعَهُ مِنْهُ الْمُسْلِمُونَ، فَتَكَلَّمُوا بهِ في حَيَاتِهِ، وَبَعْدَ وَفَاتِهِ، يَقِينًا وَتَسْلِيما لِرَبِّهِمْ، وَتَضْعِيفًا لأَنْفُسِهِمْ، أنْ يَكُونَ شَيْءٌ لَمْ يُحِطْ بِهِ عِلْمُهُ، وَلَمْ يُحْصِهِ كتَابهُ، وَلَمْ يَمْضِ فِيهِ قَدَرُهُ،
===
(كتبتَ تسأل عن الإقرار بالقدر، فعلى الخبير- بإذن الله- وقعتَ) يعني أنا بهذه المسألة خبير، فسألت المسألة الخبير، (ما أعلمُ)"ما" نافية (ما أحدثَ)"ما" موصولة (الناسُ من مُحدَثة) أي أمر جديد لم يكن في الشرع، (ولا ابتدعوا من بِدْعة هي أبينُ) أي أظهرُ (أثرًا، ولا أثبت أمرًا من الإقرار بالقدر)، فإنكاره إنكار أجلى البديهيات وأقبح المبتدعات، وإنما سماه بدعة باعتبار التدوين والتأليف، ونصب الأدلة العقلية عليه، وإن كان الإقرار به سنة في ذاته.
(لقد كان ذكره في الجاهلية الجهلاء، يتكلمون به) أي يذكرونه (في كلامهم وفي شعرهم، يُعَزون) أي يصبرون (به أنفسَهم على ما فَاتَهم، ثم لم يزده الإِسلامُ بعدُ إلَّا شدَّة) أي قوة ثبوت.
(ولقد ذكره رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في غير حديث ولا حديثين) بل في أكثر (وقد سَمِعَه) أي القدرَ (منه المسلمون، فتكلَّموا به في حياته، وبعد وفاته، يقينًا وتسليمًا لربِّهم، وتضعيفًا لأنفسهم)، والتضعيف: عَدُّ الشيء ضعيفًا، أي يَعدُّون أنفسهم ضُعفاء مِنْ أن يَتَحَمَّلوا على أنفسهم أن يعتقدوا أو يظنوا من (أن يكون شيء لم يُحِطْ به علمُه) أي علمُ الله تعالى (ولم يحصه كتابُه) أي كتابُ الله تعالى، وهو القرآنُ أو اللوحُ المحفوظُ (ولم يمضِ فيه قدرُه) بل عَلِموا على