علينا لو كنا نقول: لا يصلح النوم في الثوب النجس, فأما إذا كنا نبيح ذلك ونوافق ما رويتم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك، فنقول من بعد: لا يصلح الصلاة في ذلك، فلم نخالف شيئًا بما روي في ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد جاءت عن عائشة فيما كانت تفعل بثوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي كان يصلي فيه إذا أصابه المني، فذكر بسنده عن عائشة قالت: كنت أغسل المني من ثوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيخرج إلى الصلاة وإن بقع الماء لفي ثوبه، وإسناده صحيح على شرط مسلم، قال الطحاوي: وهكذا كانت تفعل عائشة بثوب النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي كان يصلي فيه تغسل المني منه، وتفركه من ثوبه الذي كان لا يصلي فيه.
ثم إن هذا القائل استدل في رده على الطحاوي فيما ذكرناه بأن قال: وهذا التعقيب بالفاء ينفي إلى آخره، وهذا استدلال فاسد, لأن كون الفاء للتعقيب لا ينفي احتمال تخلل الغسل بين الفرك والصلاة, لأن أهل العربية قالوا: إن التعقيب في كل شيء بحسبه، ألا ترى أنه يقال: تزوج فلان فولد له إذا لم يكن بينهما إلَّا مدة الحمل، وهو مدة متطاولة، فيجوز على هذا أن يكون معنى قول عائشة: لقد رأيتني أفركه من ثوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أرادت به ثوب النوم، ثم تغسله فيصلي فيه، ويجوز أن تكون الفاء بمعنى "ثم" كما في قوله تعالى: {ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا}(١)، فالفاءات فيها بمعنى "ثم" لتراخي معطوفاتها، فإذا ثبت جواز التراخي في المعطوف يجوز أن يتخلل بين المعطوف والمعطوف عليه مدة يجوز وقوع الغسل في تلك المدة.
ويؤيد ما ذكرنا ما رواه البزار في "مسنده" والطحاوي في