وبالجملة فمآثره الجميلة لا تعد ولا تحصى، وفضائله المأثورة لا تحصر ولا تستقصى، ولكنه لرفعة شأنه وعلوّ مكانه كان لا يحوم حوله الطالبون، حتى صار كأنه لم يره الراؤون، فتصدى لحل مشكلاته وتيسير معضلاته الفحولُ من العلماء، والأحبار من الأذكياء، وشرحوا له شروحًا بسيطة، وعلَّقوا عليه تعليقات عديدة، ومع ذلك لم يزل محجبات دقائقه تحت الأستار، وما فتي راحلة مطايا التسيار.
ثم تلاطمت بحار رحمته تعالى لعطشى الحديث وطلابه، فنهض له ولي من أوليائه المولى الحاج الشيخ السيد السند خليل أحمد الذي تشرفت الأقطار والأماكن بذكر وصفه، وتعطرت من طيب عرفه، سحاب علم أخصب الهند بدوام ديمه، وبحره الموَّاج لا يؤتى إلَّا ليقتبس من علمه وكرمه، مشهور صيته بين الأكابر والأعيان، معمور حلقة درسه من الشيب والشبان- علا قدره- واشتهر بالحسن الجميل ذكره.
أكرم به عالمًا عاملًا، وإمامًا لم يزل يلحم فضلًا، ويسدي نائلًا، كم له من آثار مشهورة، ومناقب مأثورة، وحجَّات مبرورة، ومواطن بذكر الله تعالى معمورة، فعلق عليه تعليقًا جليل القدر عظيم النفع كثير الفائدة كبير العائدة، لم ينسج على منواله في عالم الحديث.
ولا ندخل في شعاب الغلو إذا قلنا: إنه أنفس تعليق لـ"سنن أبي داود"، فهو تعليق يمتِّع الأسماع، ويُشَنِّف الآذان، اتفقت الألسن على حسنه فهو ممدوح بكل شأن، وأجمعت القلوب فكان له في سويدات القلوب مكانة ومكان، يشهد لمؤلفه بالفطنةِ والذكاءِ وطولِ الباع في هذا الفن الجليل، وقوةِ التمكن في البحث من الصحاح والحسان والضعاف والموضوعات.
فيه من أصول الحديث ما يغني قارئيه عن تصفُّح كثير من المطوَّلات الحديثية، وما غادر صغيرة ولا كبيرة إلَّا أحصاها من أصول الفن وفروعه ما غشاها، فكان هذا التعليق خزينة فيها تاريخ وسير، والمسائل الفقهية، وتفسير للآيات القرآنية على ما فسره أصحاب التفسير، فجاء ينادي له بلسان