للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

مَنْ تَلْقَ مِنْهُمْ تَقُلْ: لَاقَيْتُ سَيَّدَهُم ... مِثْلَ النُّجُومِ الَّتِي يُهْدَى بِهِ السَّارِي

وبعد:

فإن علم الحديث مما تزيّن به الإسلام، واختص به الفضلاء الذين خفقت لهم ذوائب الطروس، وانتصبت رماح الأقلام، ورغبة السلف لم تزل وافرة عليه، وأنامل إرشادهم للأنام بالحث إليه، حتى قيل لإمام الأئمة أحمد بن حنبل: ماذا تشتهي؟ فقال: "سند عالٍ وبيت خالٍ"، وما برح في دأب الكبار من الأئمة الارتحالَ إلى أقاصي الأقاليم في طلبه، وتحملَ المشاق والمتاعب فيه، ومنه ارتحال الإمام الشافعي وغيره إلي عبد الرزاق باليمن، ولكنه فَنٌّ ذروتُه عالية وعتبتُه سامية، ومن ثم قيل:

مَا كُلُّ مَنْ طَلَبَ الْمَعَالِي نَافِذًا ... فِيهَا وَلَا كُلُّ الرِّجَالِ فُحُولًا

ولما كان صيانة الطريقة المباركة المحمدية موعودة في كلام الملك الجليل، بذلت العلماء الربانيون أعمارَهم في حفظ كلامه تعالى شأنه، وكلام رسوله- روحي وروح أبي وأمي فداه -، ومنه ما ألفه الشيخ سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن شدّاد بن عمرو بن عمران الأزدي السجستاني، فإنه نظم الأحاديث النبوية في سلك بيانه، ففاقت الدرَر المنظومة، ونثر حيثما رأى نثره فخجلت اللآلئ المنثورة، وحدَّث عن أصح ما قاله سيد البشر - صلى الله عليه وسلم -، فصدع القلوب، وأجرى ذَنوب الدموع من أهل الذنوب، أئمة الدين تذعن إلى ما فيه من الأدلة ومصنفات السلف، تقول أمامه: بسم الله، فيا له من كتاب كأنه دليل لا يعارض بما ينقضه، وطوبى له من حجة يكَلّ عنه الخصم إذا هو على محك النقد يعرضه، قد أحكم ما ترجمه بالحديث والأثر، وله أثبت قدم في رواية الحديث حتى ما عثر، وأتى فيه بنُكت من أسرار الحديث، وميز بين الطيب والخبيث.

أَكْرِمْ بِهِ مُصَنَّفًا فَاقَ تَصَانيفَ الْوَرَى ... لَيْلُ الْمُرادِ فِيهِ بِالْمَعْنَى الْمنِيرِ أقْمَرَا

كَمْ فِيهِ بُردَ حُجَّةٍ قَدْ حَاكَهُ مُحَرَّرًا ... وَكَمْ دَلِيلَ سَيْفِهِ إذَا الْتَقَى خَصْمًا فَرىَ

فَلَمْ يَكُنْ مِنْ بَعْدِهِ مُخَالِفٌ قَطُّ بَرَا

<<  <  ج: ص:  >  >>