وأما الجمهور القائلون بعدم جواز العبور فاستدلوا بهذا الحديث، وهو بإطلاقه حجة على الشافعي، بل إنما سيق الكلام لمنع المرور في المسجد جنبًا، وعلى هذا معنى الآية أي لا تقربوا الصلاة جنبًا في حال من الأحوال، إلَّا حال كون الجنب مسافرين، وذلك إذا لم يجدوا الماء، أو لم يقدروا على استعماله، ويتيمموا، وهذا على قول علي وابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير.
وقال بعض المفسرين: معنى الآية: لا تقربوا مواضع الصلاة يعني المساجد، بحذف المضاف، جنبًا إلَّا عابري سبيل، يعني إلَّا مجتازين من المسجد بغير مكث، لما روى ابن جرير أن رجالًا من الأنصار كانت أبوابهم في المسجد، وكانت تصيبهم جنابة، ولا ماء عندهم، فيريدون الماء، ولا يجدون ممرًا إلَّا في المسجد، فأنزل الله تعالى قوله:{وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ}، وهذا قول ابن مسعود وسعيد بن المسيب والحسن والنخعي وغيرهم، فإن اللفظ عام وإن كان سبب نزول الآية خاصًّا.
والجواب عنه أن هذا الاستدلال يتوقف على تقدير المضاف، وهو خلاف الأصل، فلا يصار إليه، وأيضًا لا معنى لقوله: لا تقربوا مواضع الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون، فإنه صريح في النهي عن قربان الصلاة، ولا يمكن في المعطوف تقدير غير ما ذكر، أو قدر في المعطوف عليه، وأيضًا لو كان معنى الآية: لا تقربوا مواضع الصلاة لزم حرمة دخول مساجد البيوت للجنب، ولم يقل به أحد.
وأما الجواب عن لزوم التكرار فذكر السفر بعد ذكره بقوله: إلَّا عابري سبيل، لبيان التسوية بينه وبين المرض بإلحاق الواجد بالفاقد بجامع العجز عن الاستعمال.