قلت: أما قوله: إن غسل الميت للتنظيف لا للتطهير فهذا قول الشافعي وغيره، وأما عامة مشايخنا قالوا: إن بالموت يتنجس الميت لما فيه من الدم المسفوح، كما يتنجس سائر الحيوانات التي لها دم سائل بالموت، ولهذا لو وقع في البئر يوجب تنجسه إلَّا أنه إذا غسل يحكم بطهارته كرامة له، فكانت الكرامة عندهم في الحكم بالطهارة عند وجود السبب المطهر في الجملة وهو الغسل، لا في المنع من حلول النجاسة، كما قال محمد بن شجاع البلخي: إن الآدمي لا يتنجس بالموت بتشرب الدم المسفوح في أجزائه كرامة له, لأنه لو تنجس لما حكم بطهارته بالغسل كسائر الحيوانات التي حكم بنجاستها بالموت، وقول العامة أظهر, لأن فيه عملًا بالدليلين: إثبات النجاسة عند وجود سبب النجاسة، والحكم بالطهارة عند وجود ما له أثر في التطهير في الجملة، ولا شك أن هذا في الجملة أقرب إلى القياس من منع ثبوت الحكم أصلًا مع وجود السبب، كذا قال في "البدائع"(١).
والجواب عن قوله عليه السلام:"المؤمن لا يتنجس" أي بالحدث الذي دل عليه سياق الحديث، وهو جنابة أبي هريرة أي لا يصير نجسًا بالجنابة، أو لا يصير نجسًا كالنجاسات الحقيقية التي ينبغي إبعادها عن المحترم كالنبي عليه السلام، وإلَّا فالإجماع على أنه يتنجس بالنجاسة الحقيقية إذا أصابته.