"الحيضة"- بكسر الحاء-: الحال التي تلزمها الحائض من التجنب، كما قالوا: القعدة والجلسة يريدون حال القعود والجلوس، وأما "الحيضة" مفتوحة الحاء: فهي الدفعة الواحدة من دفعات دم الحيض، وفي الحديث: من الفقه أن للحائض أن تتناول الشيء بيدها من المسجد، وأن من حلف لا يدخل دارًا أو مسجدًا، فإنه لا يحنث بإدخال يده أو بعض جسده فيه ما لم يدخله بجميع بدنه.
قال النووي (١): هو بفتح الحاء، هذا هو المشهور في الرواية وهو الصحيح، وقال الإِمام أبو سليمان الخطابي: المحدثون يقولونها بفتح الحاء وهو خطأ، وصوابها بالكسر، أي الحالة والهيئة، وأنكر القاضي عياض هذا على الخطابي، وقال: الصواب ههنا ما قاله المحدثون من الفتح, لأن المراد الدم وهو الحيض بالفتح بلا شك، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "ليست في يدك" معناه أن النجاسة التي يصان المسجد عنها وهي دم الحيض ليست في يدك، وهذا بخلاف حديث أم سلمة:"فأخذت ثياب حيضتي"، فإن الصواب فيه الكسر، هذا كلام القاضي عياض، وهذا الذي اختاره من الفتح هو الظاهر هاهنا, ولما قاله الخطابي وجه، والله أعلم، انتهى.
قلت: ما قال الخطابي هو الأوجه عندي, لأن عائشة - رضي الله تعالى عنها - كانت تعلم أن في يدها ليست نجاسة الحيض التي يصان المسجد عنها، وما امتنعت عن إدخال يدها في المسجد إلَّا بأنها علمت أن الحالة العارضة لها من الحيض، وحكمها حلَّت يدها، فلأجل هذا امتنعت عن إدخال يدها في المسجد، ولهذا أجابها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما حاصله: أن هذه الحالة التي هي كونها حائضة عرضت لها باعتبار مجموعها لا باعتبار أجزائها، فلا يقال لليد حائضة حتى يصان عنها المسجد.