للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأن انتفاء الشرط يستلزم انتفاء المشروط فيلزم منه أن من لم ينس لا يصلى (وردّ) بأن قوله من نسى يدل بفحوى الخطاب وقياس الأولى على وجوب القضاء على من تعمد ترك الصلاة. فهو مفهوم موافقة لا مفهوم مخالفة كما ادّعوا فهو نظير تحريم ضرب الوالدين بحرمة التأفيف المنصوص عليها بقوله تعالى "ولا تقل لهما أفّ" وقد اتفقت الأئمة على أن هذا من فحوى الخطاب فإن كل واحد يفهم بمجرّد سماع قوله تعالى "ولا تقل لهما أف" لا تضربهما ولا تشتمهما ولا تؤذهما بأيّ نوع من أنواع الإيذاء. وعلى فرض أنه مفهوم مخالفة فإنما يعمل به إذا لم يكن الشرط خرّج على الغالب كما هنا أو لم يكن ورد على سبب خاصّ كأن يكون جوابا لمن سأل عن فضاء الصلاة المنسية (قال) الشوكانى لم أقف مع البحث الشديد للموجبين للقضاء على العامد على دليل ينفق في سوق المناظرة ويصلح للتعويل عليه في مثل هذا الأصل العظيم إلا حديث "فدين الله أحقّ أن يقضى" باعتبار ما يقتضيه اسم الجنس المضاف من العموم ولكنهم لم يرفعوا إليه رأسا. وأنهض ما جاءوا به في هذا المقام قولهم إن الأحاديث الواردة بوجوب القضاء على الناسى يستفاد من مفهوم خطابها وجوب القضاء على العامد لأنها من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى فتدلّ بفحوى الخطاب وقياس الأولى على المطلوب. وهذا مردود لأن القائل بأن العامد لا يقضى لم يرد أنه أخص حالا من الناسى بل صرّح بأن المانع من وجوب القضاء على العامد أنه لا يسقط الإثم عنه فلا فائدة فيه فيكون إثباته مع عدم النصّ عبثا بخلاف الناسى والنائم فقد أمرهما الشارع بذلك وصرّح بأن القضاء كفارة لهما ولا كفارة لهما سواه. ومن جملة حججهم أن قوله في الحديث لا كفارة لها إلا ذلك يدلّ على أن العامد مراد بالحديث لأن النائم والناسى لا إثم عليهما قالوا فالمراد بالناسى التارك سواء أكان عن ذهول أم لا ومنه قوله تعالى "نسوا الله فنسيهم" وقوله تعالى "نسوا الله فأنساهم أنفسهم" ولا يخفى عليك أن هذا يستلزم عدم وجوب القضاء على الناسى والنائم لعدم الإثم الذى جعلوا الكفارة منوطة به والأحاديث الصحيحة قد صرّحت بوجوب ذلك عليهما. وقد استضعف الحافظ في الفتح هذا الاستدلال وقال الكفارة قد تكون عن الخطأ كما تكون عن العمد. على أنه قد قيل إن المراد بالكفارة هي الإتيان بها تنبيها على أنه لا يكفى مجرّد التوبة والاستغفار من دون فعل لها. وقد أنصف ابن دقيق العيد فردّ جميع ما تشبثوا به والمحتاج إلى إمعان النظر ما ذكرنا لك سابقا من عموم حديث "فدين الله أحقّ أن يقضى" لا سيما على قول من قال إن وجوب القضاء بدليل هو الخطاب الأول الدالّ على وجوب الأداء فليس عنده في وجوب القضاء على العامد فيما نحن بصدده تردّد لأنه يقول المتعمد للترك قد خوطب بالصلاة ووجب عليه تأديتها فصارت دينا عليه والدين لا يسقط إلا بأدائه أو قضائه اهـ كلام الشوكاني (أقول) قد ثبت في حق تارك الصلاة أمران (أحدهما) ثبوت الإثم على تركها عمدا. والإثم

<<  <  ج: ص:  >  >>