ابن دينار والأوزاعي والشافعى وأحمد بن حنبل وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد وداود، وذهبت العترة والحنفية إلى وجوب الغسل ثلاثا وقالوا لا فرق بين لعاب الكلب وغيره من النجاسات غير المرئية وحملوا حديث السبع على الندب واحتجوا بما رواه الطحاوى والدارقطني موقوفا على أبي هريرة أنه يغسل من ولوغه ثلاث مرات وهو الراوى للغسل سبعا فثبت بذلك نسخ السبع. لكن هذا مناسب لأصل بعض الحنفية من وجوب العمل بتأويل الراوى وتخصيصه ونسخه وغير مناسب لأصول الجمهور من عدم العمل به، ويحتمل أن أبا هريرة أفتى بذلك لاعتقاده ندبية السبع لا وجوبها أو أنه نسى ما رواه وأيضا قد ثبت عنه أنه أفتى بالغسل سبعا ورواية من روى عنه موافقة فتياه لروايته أرجح من رواية من روى عنه مخالفتها من حيث الإسناد ومن حيث النظر. أما من حيث الإسناد فالموافقة وردت من رواية حماد بن زيد عن أيوب عن ابن سيربن عنه وهذا من أصح الأسانيد والمخالفة من رواية عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عنه وهو دون الأول في القوّة. وأما من حيث النظر فظاهر (وأجيب) عنه بأنه يحتمل أن تكون فتواه بالسبع قبل ظهور النسخ عنده ولما ظهر أفتى بالثلاث، وأما دعوى الرجحان فغير صحيحة لأن رجال كل منهما رجال الصحيح فإن عبد الملك أخرج له مسلم في صحيحه وقال أحمد والثورى من الحفاظ زاد الثورى ثقة فقيه متقن وقال أحمد بن عبد الله ثقة ثبت في الحديث أفاده العيني على البخارى، وأيضا قد روى التسبيع غير أبي هريرة فلا تكون مخالفة فتياه قادحة في مرويّ غيره، وعلى كلّ فلا حجة في قول أحد مع قول رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، ومن جملة أعذار الحنفية عن العمل بالحديث أن العذرة أشدّ نجاسة من سؤر الكلب ولم تقيد بالسبع فيكون الولوغ كذلك من باب الأولى وردّ بأنه لا يلزم من كونها أشدّ في الاستقذار أن لا يكون الولوغ أشدّ منها في تغليظ الحكم وبأنه قياس في مقابلة النص الصريح وهو فاسد الاعتبار، وأجابوا بمنع عدم الملازمة فإن تغليظ الحكم في ولوغ الكلب إما تعبدى وإما محمول على من غلب على ظنه أن نجاسة الولوغ لا تزول بأقلّ منها وإما لأنهم نهوا عن اتخاذه فلم ينتهوا فغلط عليهم بذلك قاله العيني. ومن أعذارهم أيضا أن الأمر بذلك كان عند الأمر بقتل الكلاب فلما نهى عن قتلها نسخ الأمر بالغسل، وتعقب بأن الأمر بقتلها كان في أول الهجرة والأمر بالغسل متأخر جدّا لأنه من رواية أبي هريرة وعبد الله بن مغفل وكان إسلامهما سنة سبع وسياق حديث ابن مغفل الآتي ظاهر في أن الأمر بالغسل كان بعد الأمر بقتل الكلاب، أفاده الحافظ، وأجيب بأن كون الأمر بقتل الكلاب كان في أول الهجرة يحتاج إلى دليل قطعى فأين هو، ولئن سلمنا ذلك فيحتمل أن أبا هريرة سمع ذلك من صحابي أخبره أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لما نهى عن قتل الكلاب نسخ الأمر