آله وسلم حين نزلت آية التيمم فضربنا ضربة واحدة للوجه ثم ضربنا ضربة لليدين إلى المنكبين ظهرا وبطنا "ثم قال" ذهب قوم إلى هذا فقالوا هكذا التيمم ضربة للوجه وضربة للذراعين إلى المناكب والآباط. وخالفهم في ذلك آخرون فافترقوا فرقتين فقالت فرقة منهم التيمم للوجه واليدين إلى المرفقين. وقالت فرقة منهم التيمم للوجه والكفين فكان من الحجة لهذين الفريقين على الفرقه الأولى أن عمار بن ياسر لم يذكر أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمرهم أن يتيمموا كذلك وإنما أخبرهم عن فعلهم فقد يحتمل أن تكون الآية لما أنزلت لم تنزل بتمامها وإنما أنزل منها "فتيمموا صعيدا طيبا" ولم يبين لهم كيف يتيممون فكان ذلك عندهم على كل ما فعلوا من التيمم لا وقت في ذلك وقتا ولا عضوا مقصودا به إليه بعينه حتى نزلت بعد ذلك "فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه" ومما يدلّ على ما قلنا من ذلك حديث عائشة قالت أقبلنا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من غزوة له حتى إذا كنا بالمعرّس قريبا من المدينة نعست من الليل وكانت علىّ قلادة تدعي السمط تبلغ السرّة فجعلت أنعس فخرجت من عنقي فلما نزلت مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لصلاة الصبح قلت يا رسول الله خرّت قلادتي من عنقي فقال أيها الناس إن أمكم قد ضلت قلادتها فابتغوها فابتغاها الناس ولم يكن معها ماء فاشتغلوا بابتغائها إلى أن حضرتهم الصلاة ووجدوا القلادة ولم يقدروا على ماء فمنهم من تيمم إلى الكف ومنهم من تيمم إلى المنكب وبعضهم على جسده فبلغ ذلك رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأنزلت آية التيمم. ففي هذا الحديث أن نزول آية التيمم كان بعد ما تيمموا هذا التيمم المختلف الذى بعضه إلى المناكب فعلمنا من تيممهم أنهم لم يفعلوا ذلك إلا وقد تقدّم عندهم أصل التيمم وعلمنا بقولها فأنزل الله آية التيمم أن الذى نزل بعد فعلهم هو صفة التيمم فهذا وجه حديث عمار عندنا ومما يدلّ أيضا على أن هذه الآية تنفى ما فعلوا من ذلك أن عمار بن ياسر الذى روى ذلك عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قد روى عنه التيمم الذى عمله بعد ذلك خلاف ذلك فمنه حديث سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه أن عمار بن ياسر سأل نبي الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن التيمم فأمره بالوجه والكفين اهـ بتصرّف (قال) الدهلوى والأخذ بأحاديث الضربتين والمرفقين أخذ بالاحتياط وعمل بأحاديث الطرفين لاشتمال الضربتين على ضربة ومسح الذراعين إلى المرفقين على مسح الكفين دون العكس "فإن قلت" التعارض ثابت على تقدير أن تكون الأحاديث متساوية المرتبة والمحدّثون حكموا بأن أحاديث الضربتين والمرفقين غير مذكورة في الصحاح "قلنا" عدم ذكرها في الصحاح محلّ بحث: على أن عدم صحتها وقوّتها في زمن الأئمة الذين استدلوا بها محل منع إذ يحتمل أن يطرق الضعف والوهن فيما بعدهم من جهة لين الرواة الذين رووها بعد زمن الأئمة فالمتأخرون من المحدّثين الذين جاءوا بعدهم أوردوها