وذهب الأكثرون إلى أنه لا اشتراك بين وقت الظهر ووقت العصر، بل متى خرج وقت الظهر بمصير ظل الشيء مثله غير الظل الذي يكون عند الزوال دخل وقت العصر، وإذا دخل وقت العصر لم يبق شيء من وقت الظهر، واحتجوا بحديث فسلم مرفوعًا، ولفظه:"وقت الظهر إذا زالت الشمس، وكان ظل الرجل كطوله ما لم يحضر العصر".
ثم اختلفوا في آخر وقت الظهر (١) فقال الأكثرون- وفيهم أبو يوسف ومحمد - آخر وقت الظهر إذا صار ظل كل شيء مثله وهو رواية عن الإِمام الأعظم أبي حنيفة - رحمه الله تعالى- وقال أبو حنيفة في ظاهر الرواية عنه: آخر وقت الظهر إذا صار الظل قامتين، واحتجوا له بحديث أمر فيه بإبراد الظهر حتى ساوى الظل التلول، ولا يحصل ذلك الإبراد إلَّا إذا بلغ ظل كل شيء مثليه.
وأما أول وقت العصر فعلى الاختلاف الذي ذكرنا في آخر وقت الظهر، وأما آخر وقته فاختلفوا فيه، فعند الجمهور: آخره حين تغرب الشمس لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدركها".
وعند الشافعي قولان: في قول: إذا صار ظل كل شيء مثليه يخرج وقت العصر، ولا يدخل وقت المغرب حتى تغرب الشمس، فيكون بينهما وقت مهمل، وفي قول: إذا صار ظل كل شيء مثليه يخرج وقته المستحب، ويبقى أجل الوقت إلى غروب الشمس.
(١) وروى الطحاوي عن الإِمام آخر وقت الظهر بالمثل، وأول العصر بالمثلين، كما في "التعليق الممجد" (١/ ١٥٢) وهو رواية أسد عنه، كما في "البدائع" (١/ ٣١٧). قلت: وقوله تعالى: {قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} [ق: ٣٩]، يؤيد الحنفية في قولهم من تأخير الفجر والعصر بأن قبل يشير إلى الاتصال كما هو ظاهر، ومن الأصول الموضوعة أن الأوفق بالقرآن أرجح عندنا الحنفية، وفي "التفسير الكبير" (١٨/ ٥٩): إن قوله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ} [هود: ١١٤]، يقوي قول أبي حنيفة، وسيأتي بيان الإسفار في "باب وقت الصبح". (ش).