من أن ظاهره حصول الذهاب إلى أقصى المدينة والوجوع من ثم إلى المسجد، هو على ظاهر سياق لفظ أبي داود، وعلى سياق لفظ البخاري من طريق شعبة:"والعصر وأحدنا يذهب إلى أقصى المدينة ويرجع والشمس حية"، فقوله:"ويرجع" هكذا في رواية, وفي رواية أبي ذر والأصيلي:"رجع والشمس حية"، ويخالفه ما رواه البخاري من طريق عبد الله بن المبارك عن عوف ولفظه:"ويصلي العصر ثم يرجع أحدنا إلى رحله في أقصى المدينة والشمس حية"، فليس فيه إلَّا الذهاب فقط.
وطريق الجمع بين هذه الروايات أن يقال: يحتمل أن الواو في قوله: "وأحدنا" بمعنى ثم، والتقدير: ثم يذهب أحدنا أي ممن صلى معه، وأما قوله:"رجع" فيحتمل أن يكون بمعنى يرجع، ويكون بيانًا لقوله:"يذهب"، ويحتمل أن يكون "رجع" في موضع الحال، أي يذهب راجعًا، ويحتمل أن أداة الشرط سقطت إما لو أو إذا، والتقدير: ولو يذهب أحدنا ... إلخ.
وجوز الكرماني أن يكون "رجع" خبرًا للمبتدأ الذي هو "أحدنا"، و"يذهب" جملة حالية، وهو وإن كان محتملًا من جهة اللفظ لكنه يغاير رواية عوف، وقد رواه أحمد عن حجاج بن محمد عن شعبة بلفظ:"والعصر يرجع الرجل إلى أقصى المدينة والشمس حية"، ولمسلم والنسائي من طريق خالد بن الحارث عن شعبة مثله، لكن بلفظ "يذهب" بدل يرجع.
وقال الكرماني أيضًا بعد أن حكى احتمالًا آخر وهو أي قوله:"رجع" عطف على "يذهب"، والوا ومقدرة، و"رجع" بمعنى يرجع، ويؤيد ذلك رواية أبي داود عن حفص بن عمر بلفظ:"وإن أحدنا ليذهب إلى أقصى المدينة ويرجع والشمس حية"، وقد قدمنا ما يرد عليها، وأن رواية عوف أوضحت أن المراد بالرجوع الذهاب إلى المنزل من المسجد، وإنما سمي رجوعًا، لأن ابتداء المجيء كان من المنزل إلى المسجد، فكان الذهاب منه إلى المنزل