للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مِسْكِينًا, فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} , فَكَانَتِ الرُّخْصَةُ لِلْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ, فَأُمِرُوا بِالصِّيَامِ

===

مسكينًا) أي كان جائزًا أن من لم يصم من غير عذر أن يطعم مسكينًا، فعلى هذا قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} (١) محمول (٢) على ظاهره بمعنى أن مطيقي الصوم عليهم إذا لم يصوموا فدية طعام مسكين أن يطعموا المسكين الطعام فديةً عن الصوم.

(فنزلت هذه الآية) وهي قوله تعالى: ({فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}) (٣) ومعنى الآية: فمن كان شاهدًا أي حاضرًا مقيمًا غير مسافر في الشهر فليصم فيه ولا يفطر، والشهر منصوب على الظرف، وكذلك الهاء في "فليصمه"، ولا يكون مفعولًا به، كقولك: شهدت الجمعة "كشاف" (٤)، فنسخت هذه الآية ما كان قبلها من الرخصة للمطيقين أن لا يصوموا ويفدوا.

(فكانت الرخصة للمريض والمسافر) أي بعد نزول هذه الآية نسخت الرخصة لغير المعذورين، وبقيت الرخصة للمعذورين من المرضى والمسافرين في الإفطار (فأمروا بالصيام) أي أُمِرَ غير المعذورين بأن يصوموا ولا يفطروا ولا يجزئهم الإطعام، فهذا مشتمل على حالين في الصوم، أولهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر المسلمين بثلاثة أيام من كل شهر، وكذلك أمرهم بصوم يوم عاشوراء، سواء كان ذلك الأمر أمر الوجوب، كما هو عند أبي حنيفة - رحمه الله تعالى- أو الاستحباب استحبابًا مؤكدًا، كما هو عند بعض أصحاب الشافعي - رحمه الله -، ثم نسخ ذلك وفرض رمضان، وهذا أول الحالين.

ثم لما فرض شهر رمضان وكانوا لم يتعودوا الصيام، كان يجوز لهم- من المعذورين وغيرهم- أن لا يصوموا، ويفدوا، ثم نسخ ذلك بقوله تعالى:


(١) سورة البقرة: الآية ١٨٤.
(٢) وأيضًا قوله تعالى: {أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ} محمول على ثلاثة أيام من كل شهر. (ش).
(٣) سورة البقرة: الآية ١٨٥.
(٤) "الكشاف" للزمخشري (١/ ٢٥٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>