للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

قلت: ومذهب الحنفية في ذلك ما قال الإِمام علاء الدين أبو بكر بن مسعود الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع" (١): ومنها -أي من سنن الأذان-: أن من أذن فهو الذي يقيم، وإن أقام غيره فإن كان يتأذى بذلك يكره, لأن اكتساب أذى المسلم مكروه، وإن كان لا يتأذى به لا يكره.

وقال الشافعي: يكره تأذى به أو لم يتأذى، واحتج بما روي عن أخي صداء أنه قال: "بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلالًا إلى حاجة له، فأمرني أن أؤذن فأذنت، فجاء بلال وأراد أن يقيم، فنهاه عن ذلك، وقال: إن أخا صداءٍ هو الذي أذن، ومن أذن فهو الذي يقيم".

ولنا ما روي أن عبد الله بن زيد لما قص الرؤيا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له: "لقنها بلالًا فأذن بلال، ثم أمر النبي- صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن زيد فأقام"، وروي أن ابن أم مكتوم كان يؤذن وبلال يقيم، وربما أذن بلال وأقام ابن أم مكتوم، وتأويل ما رواه أن ذلك كان يشق عليه, لأنه روي أنه كان حديث عهد بالإِسلام، وكان يحب الأذان والإقامة، انتهى.

واعترض عليه الشوكاني (٢) بأن حديث الصدائي متأخر، فالأخذ به أرجح على أنه لو لم يتأخر لكان هذا الحديث خاصًا بعبد الله بن زيد، والأولوية باعتبار غيره من الأمة، والحكمة في التخصيص تلك المزية التي لا يشاركه فيها غيره، أعني الرؤيا، فإلحاق غيره به لا يجوز لوجهين: الأول: أنه يؤدي إلى إبطال فائدة النص، أعني حديث "من أذن فهو يقيم"، فيكون فاسد الاعتبار، الثاني: وجود الفارق وهو بمجرده مانع من الإلحاق.

والجواب عنه أن حديث الصدائي ضعيف، قال الترمذي: إنما نعرفه من حديث الإفريقي، وهو ضعيف عند أهل الحديث، ضعَّفه يحيى بن سعيد القطان


(١) (١/ ٣٧٥).
(٢) "نيل الأوطار" (٢/ ٦٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>