حال، فلو كان ما يدركه مع الإِمام آخرًا له لما احتاج إلى إعادة التشهد، أجاب عنه ابن بطال أنه ما تشهد إلَّا لأجل السلام, لأن السلام يحتاج إلى سبق تشهد، وأما استدلال ابن المنذر على ذلك بأنهم أجمعوا على أن تكبيرة الافتتاح لا تكون إلَّا في الركعة الأولى فغير مسلم في حق المسبوق، والله تعالى أعلم.
يقول العبد الحقير المعترف بالتقصير: إن هذا الحديث أورده المحدثون بألفاظ مختلفة بعضها محتملة للمعنيين، وبعضها محكمة في معنى واحد، فأخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة ولفظه:"فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا"، وبهذا اللفظ أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي قتادة - رضي الله عنه -، وكذلك أخرج مسلم من حديث أبي قتادة، وحكى أبو داود أن حديث ابن مسعود وأنس بهذا اللفظ يعني فأتموا، وروى سفيان بن عيينة من بين أصحاب الزهري في حديث أبي هريرة بلفظ:"فاقضوا" بدل "فأتموا".
واختلف أيضًا في حديث أبي قتادة، فرواية الجمهور "فأتموا"، ووقع لمعاوية بن هشام عن شيبان "فاقضوا"، وكذا روى أحمد عن عبد الرزاق عن معمر عن همام عن أبي هريرة، فقال:"فاقضوا"، واختلف في حديث أبي ذر أيضًا، فروي عنه "فأتموا"، وروي عنه "واقضوا".
وهذان السياقان استدل بهما الفريقان، فالذين قالوا: إن المسبوق يدرك مع الإِمام أول صلاته، ثم إذا انفرد عن الإِمام يتم آخر صلاته، استدلوا بلفظ "فأتموا" فإن إتمام الشيء لا يتحقق إلَّا بعد ما تقدمه شيء، وأما لفظ "فاقضوا" ليس بمغاير للإتمام، فإن القضاء وإن كان يطلق على الفائت غالبًا، لكنه يطلق على الأداء أيضًا، ويرد بمعنى الفراغ، كقوله تعالى:{فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا}(١) فيحمل قوله: "فاقضوا" ههنا على معنى الأداء والفراغ، فلا يغاير قوله:"فأتموا"، فلا حجة فيه لمن تمسك برواية "فاقضوا".