ابن دينار، كما رواه ابن جريج، وجاء به تامًا، وساقه أحسن من سياق ابن جريج غير أنه لم يقل فيه هذا الذي قاله ابن جريج:"هي له تطوع ولهم فريضة"، فيجوز أن يكون ذلك من قول ابن جريج (١)، ويجوز أن يكون من قول عمرو بن دينار، ويجوز أن يكون من قول جابر.
فمن أي هؤلاء الثلاثة كان القول، فليس فيه دليل على حقيقة فعل معاذ أنه كذلك أم لا, لأنهم لم يحكوا ذلك عن معاذ، إنما قالوا قولًا على أنه عندهم كذلك، وقد يجوز أن يكون في الحقيقة بخلاف ذلك.
ولو ثبت ذلك أيضًا عن معاذ، لم يكن في ذلك أنه كان بأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لو أخبره به لأقره عليه أو غَيَّره.
وقد روينا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يدل على خلاف ذلك، حدثنا فهد قال: ثنا يحيى بن صالح الوحاظي ح، وثنا علي بن عبد الرحمن، ثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب قالا: ثنا سليمان بن بلال، ثنا عمرو بن يحيى المازني، عن معاذ بن رفاعة الزرقي أن رجلًا من بني سلمة يقال له: سليم أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: إنا نظل في أعمالنا، فنأتي حين نمسي، فنصلي فيأتي معاذ بن جبل، فينادي بالصلاة، فنأتيه فيطول علينا، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يا معاذ لا تكن فتانًا، إما أن تصلي معي، وإما أن تخفف عن قومك".
فقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذا لمعاذ يدل على أنه عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يفعل أحد الأمرين: إما الصلاة معه أو بقومه، وأنّه لم يكن يجمعهما، لأنه قال:"إما أن تصلي معي"[أي] ولا تصل بقومك، "وإما أن تخفف بقومك"[أي] ولا تصل معي.
فلما لم يكن في الآثار الأول من قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيء، وكان في هذا
(١) وجزم في "فبض الباري" (٢/ ٢٢٦) بأنه مدرج عن ابن جريج، وفي "العرف الشذي" (١/ ٢٥٧) أنها ليست في رواية الشافعي أيضًا. (ش).