الأثر ما ذكرنا، ثبت بهذا الأثر أنه لم يكن من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك لمعاذ شيء متقدم، ولا علمنا أنه كان في ذلك أيضًا منه شيء متأخر، فيجب به الحجة علينا.
ولو كان في ذلك من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر، كما قال أهل المقالة الأولى، لاحتمل أن يكون ذلك كان من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في وقت ما كانت الفريضة تصلى مرتين، فإن ذلك قد كان يفعل في أول الإِسلام حتى نهى عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد ذكرنا ذلك بأسانيده في باب صلاة الخوف.
ففعل معاذ الذي ذكرنا يحتمل أن يكون قبل النهي عن ذلك، ثم كان النهي فنسخه، ويحتمل أن يكون كان بعد ذلك، فليس لأحد أن يجعله في أحد الوقتين إلَّا كان لمخالفه أن يجعله في الوقت الآخر، انتهى ملخصًا.
قلت: وحاصل كلام الطحاوي منوع على الاستدلال بهذا الحديث وبالزيادة التي زادها ابن جريج في روايته، وحاصل المنع الأول: أن الزيادة التي استدل بها غير حقيق بالاستدلال، فإن ابن عيينة روى هذا الحديث عن عمرو بن دينار تامًا، وسياقه أحسن من سياق ابن جريج، غير أنه لم يقل فيه هذا الذي قاله ابن جريج:"هي له تطوع، ولهم فريضة"، فلما جاء به تامًا وساقه أحسن من سياق ابن جريج، فغير ممكن أن ابن عيينة يترك هذه الزيادة التي عليها مدار الاستدلال، وهذا يقتضي ريبة في نقل ابن جريج توجب التوقف عنها.
وأجاب الحافظ ابن حجر في "الفتح"(١) عن هذا بأن ابن جريج أسن وأجل من ابن عيينة، وأقدم أخذاً عن عمرو منه، ولو لم يكن كذلك فهي زيادة من ثقة حافظ ليست منافية لرواية من هو أحفظ ولا أكثر عددًا، فلا معنى للتوقف في صحتها.