واستدل أصحابنا بقوله تعالى:{فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ}(١)، أمر الله تعالى بقراءة ما تيسر من القراءة مطلقًا، وتقييده بالفاتحة زيادة على مطلق النص، وذا لا يجوز, لأنه نسخ، فيكون أدنى ما يطلق القرآن فرضًا لكونه مأمورًا به، وأن القراءة خارج الصلاة ليست بفرض، فتعين أن يكون في الصلاة.
فإن قلت: هذه الآية في صلاة الليل، وقد نسخت فرضيتها، فكيف يصح التمسك بها؟
قلت: ما شرع ركنًا لم يصر منسوخًا، وإنما نسخ وجوب قيام الليل دون فروض الصلاة وشرائطها وسائر أحكامها، ويدل عليه أنه أمر بالقراءة بعد النسخ بقوله:{فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ}، والصلاة بعد النسخ بقيت نفلًا، وكل من شرط الفاتحة في الفرض شرطها في النفل، ومن لا فلا، والآية تنفي اشتراطها في النفل، فلا تكون ركنًا في الفرض لعدم القائل بالفصل.
فإن قلت: كلمة "ما" مجملة، والحديث معين ومبين، فالمعين يقضي على المبهم؟
قلت: كل من قال بهذا يدل على عدم معرفته بأصول الفقه, لأن كلمة "ما" من ألفاظ العموم يجب العمل بعمومها من غير توقف، ولو كانت مجملة لما جاز العمل بها قبل البيان كسائر مجملات القرآن والحديث، ومعناه: أي شيء تيسر، ولا يسوغ ذلك فيما ذكروه، فيلزم الترك بالقرآن والحديث، والعام عندنا لا يحمل على الخاص مع ما في الخاص من الاحتمالات.
فإن قلت: هذا الحديث مشهور، فإن العلماء تلقته بالقبول فتجوز الزيادة بمثله؟