فإن قلت: أخرج مسلم وأبو داود وغيرهما من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من صلَّى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج فهي خداج فهي خداج غير تمام"، فهذا يدل على الركنية.
قلت: لا نسلم, لأن معناه ذات خداج، أي نقصان، بمعنى صلاته ناقصة، ونحن نقول به, لأن النقصان في الوصف لا في الذات، ولهذا قلنا بوجوب قراءة الفاتحة.
فإن قلت: قوله تعالى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ} عام خص منه البعض، وهو ما دون الآية، فإن عند أبي حنيفة أدنى ما يجزئ عن القراءة آية تامة, لأن ما دون الآية خارج بالإجماع، فإذا كان كذلك يجوز تخصيصه بخبر الواحد وبالقياس أيضًا.
قلت: القرآن يتناول ما هو معجز عرفًا، فلا يتناول ما دون الآية.
فإن قلت: روى أبو داود: حدثنا ابن بشار، حدثنا يحيى، حدثنا جعفر، عن أبي عثمان، عن أبي هريرة قال:"أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أنادي أنه لا صلاة إلَّا بقراءة فاتحة الكتاب فما زاد".
قلت: هذا الحديث روي بوجوه مختلفة، فرواه البزار ولفظه:"أمر مناديًا فنادى"، وفي "كتاب الصلاة" لأبي الحسين أحمد بن محمد الخفاف: "لا صلاة إلَّا بقرآن ولو بفاتحة الكتاب فما زاد"، وفي "الصلاة" للفريابي: "أنادي في المدينة أن لا صلاة إلَّا بقراءة أو بفاتحة الكتاب فما زاد"، وفي لفظ:"فناديت: أن لا صلاة إلَّا بقراءة فاتحة الكتاب"، وعند البيهقي:"إلَّا بقراءة فاتحة الكتاب فما زاد"، وفي "الأوسط": "في كل صلاة قراءة ولو بفاتحة الكتاب".
وهذه الأحاديث كلها لا تدل على فرضية قراءة الفاتحة، بل غالبها ينفي الفرضية، فإن دلت إحدى الروايتين على عدم جواز الصلاة إلَّا بالفاتحة دلَّت