وبهذا يحتج مالك إلَّا أنه يقول: القراءة في الأكثر أقيم مقام الكل تيسيرًا.
ولنا إجماع الصحابة، فإن عمر ترك القراءة في المغرب في أحد الأوليين فقضاها في الركعة الأخيرة وجهر، وعثمان ترك القراءة في الأوليين من صلاة العشاء فقضاها في الأخريين وجهر، وعلي وابن مسعود كانا يقولان: المصلي بالخيار في الأخريين إن شاء قرأ، وإن شاء سكت، وإن شاء سبح، وسأل رجل عائشة عن قراءة الفاتحة في الأخريين فقالت: ليكن على وجه الثناء، ولم يرو عن غيرهم خلاف ذلك فيكون ذلك إجماعًا.
ولأن القراءة في الأخريين ذكر يخافت بها على كل حال، فلا تكون فرضًا كثناء الافتتاح، وهذا لأن مبنى الأركان على الشهرة والظهور، ولو كانت القراءة في الأخريين فرضًا لما خالفت الأخريان الأوليين في الصفة كسائر الأركان، وأما الآية فنحن ما عرفنا فرضية القراءة في الركعة الثانية بهذه الآية، بل بإجماع الصحابة على ما ذكرناه، والثاني: إنا ما عرفنا فرضيتها بالنص بل بدلالة النص، لأن الركعة الثانية تكرار للأولى، والتكرار في الأفعال إعادة مثل الأول، فيقتضي إعادة القراءة بخلاف الشفع الثاني, لأنه ليس بتكرار الشفع الأول، بل هو زيادة عليه.
قالت عائشة:"الصلاة في الأصل ركعتان زيدت في الحضر وأقرت في السفر"(١).
والزيادة على الشيء لا يقتضي أن يكون مثله، ولهذا اختلف الشفعان في وصف القراءة من حيث الجهر والإخفاء وفي قدرها، وهو قراءة السورة فلم
(١) أخرجه البخاري في "صحيحه" (٣٥٠)، ومسلم في "صحيحه" (٦٨٥)، ومالك في "الموطأ" (١/ ١٤٦)، وأبو داود (١١٩٨)، والنسائي (٤٥٤، ٤٥٥، ٤٥٦، ١٤٣٥)، وأحمد في "مسنده" (٦/ ٢٧٢).