قال الحافظ (١): وأكثره لا دليل عليه، بل هي ظنونٌ ممن قالها، ويردُّ الأول أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يسافر بزوجاته [وقصر].
قلت: وهذا الرد مردود؛ فإنه فرق بين التأهل وكون الزوجة معه في السفر، وقد صرح الحنفية بأن الوطن الأصلي هو موطن ولادته، أو تأهله، أو توطنه، كذا في "الدر المختار".
ثم قال الحافظ: والثاني أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان أولى بذلك، والثالث أن الإقامة بمكة على المهاجرين حرام كما سيأتي تقريره في الكلام على حديث العلاء بن الحضرمي في كتاب المغازي، والرابع والخامس لم ينقلا فلا يكفي التخرص بذلك.
ثم قال: والمنقول أن سبب إتمام عثمان أنه كان يرى القصر مختصًا بمن كان شاخصًا سائرًا، وأما من أقام في مكان في أثناء سفره فله حكم المقيم فيتم.
قلت: ويرد هذا الوجه بأن عثمان - رضي الله عنه - قد رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر حجه وغزواته أنه كان في أثناء سفره يقيم ولا يتم، وقد كان أقام بمكة في غزوة الفتح وحجة الوداع، فكان لا يتم بل يقصر، فلا يجوز أن يخالف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما يواظبه ويداوم عليه، فيقصر في حالة السير والشخوص، ويتم في حالة السكون والقرار، وأيضًا يلزم عليه أنه إذا نزل في المنزل ويبيت به في الليل فعليه أن يتم فيه الصلاة؛ لأنه في ذلك الوقت ليس بشاخص ولا سائر.
ثم قال الحافظ: وقال ابن بطال: الوجه الصحيح في ذلك أن عثمان وعائشة كانا يريان أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما قصر لأنه أخذ بالأيسر من ذلك على أمته، فأخدا لأنفسهما بالشدة. وهذا رجحه جماعة آخرهم القرطبي.
قلت: وهذا القول أليق وأوفق بمذهب الإِمام الشافعي رحمه الله.