للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

وقوله عزَّ وجلَّ: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} (١) الآية. والاستدلال به من وجهين، أحدهما: أنه أضاف النكاح إليهن، فيدل على جواز النكاح بعبارتهن من غير شرط الولي. والثاني: أنه نهى الأولياء عن المنع عن نكاحهن أنفسهن من أزواجهن، إذا تراضى الزوجان، والنهي يقتضي تصوير المنهي عنه.

وأما السنَّة: فما روي عن ابن عباس - رضي الله عنهما- عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "ليسَ للوليِّ مع الثيِّبِ أمر" (٢). وهذا قطع ولاية الولي عنها. وروي عنه أيضًا، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "الأيم أحقُّ بنفسِها من وَليها" (٣). والأيم اسم لامرأة لا زوج لها. وأما الاستدلال فهو أنها لما بلغت عن عقل وحرية، فقد صارت ولية نفسها في النكاح، فلا تبقى موليًا عليها، كالصبيِّ العاقل إذا بلغ.

والجامع أن ولايةَ الإنكاح إنما ثَبَتَتْ للأب على الصغيرة بطريق النيابة عنها شرعًا؛ لكون النكاح تصرفًا نافعًا متضمنًا مصلحة الدين والدنيا، وحاجتها إليه حالًا ومآلًا، وكونِها عاجزةً عن إحرازِ ذلك بنفسها، فبالبلوغ عن عقل زال العجزُ حقيقةً، وقدرتْ على التصرف في نفسها حقيقة، فتزول ولايةُ الغير عنها، وتثبت الولاية لها؛ لأن النيابةَ الشرعيةَ إنما تثبت بطريق الضرورة نظرًا، فتزول بزوال الضرورة، مع أن الحرية منافية لثبوت الولاية للحر على الحر، وثبوت الشيء مع المنافي لا يكون إلَّا بطريق الضرورة؛ ولهذا المعنى زالت الولايةُ عن إنكاح الصغير العاقل إذا بلغ، وتثبتُ الولايةُ له، وهذا المعنى موجود في الفرع، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "النِّساءُ شَقائِقُ الرِّجالِ"؛ ولهذا زالتْ ولايةُ الأب عن التصرف في مالها، وتثبت الولايةُ لها، كذا هذا.


(١) سورة البقرة: الآية ٢٣٢.
(٢) أخرجه أبو داود (٢١٠٠) والنسائي (٢٣٦٣) وأحمد (١/ ٣٣٤).
(٣) أخرجه مسلم (١٤٢١) وأبو داود (٢٠٩٨) والترمذي (١١٠٨) والنسائي (٣٢٦٠) وأحمد (١/ ٢١٩) ..

<<  <  ج: ص:  >  >>