للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

يقولونه، وتعقبه ابن رشد وابن العربي بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يحرِّم شيئًا تبعًا لليهود، ثم يصرح بتكذيبهم فيه.

ومنهم من رجح حديث جدامة بثبوته في الصحيح، وضعف مقابله بالاختلاف في إسناده والاضطراب، قال الحافظ: ورد بأنه إنما يقدح في حديث لا يقوى بعض الوجوه، فمتى قوي بعضها، عمل به، وهو ها هنا كذلك، والجمع ممكن.

ورجح ابن حزم العمل بحديث جدامة؛ بأن أحاديث غيرها موافقة لأصل الإباحة، وحديثها يدل على المنع، قال: فمن ادعى أنه أبيح بعد أن منع فعليه البيان، وتعقب بأن حديثها ليس بصريح في المنع؛ إذ لا يلزم من تسميته وأدًا خفيًّا على طريق التشبيه أن يكون حرامًا.

وجمع ابن القيم فقال: الذي كذب فيه - صلى الله عليه وسلم - اليهود هو زعمهم أن العزل لا يتصور معه الحمل أصلًا، وجعلوه بمنزلة قطع النسل بالوأد، فأكذبهم، وأخبر أنه لا يمنع الحمل، إذا شاء الله خلقه، وإذا لم يرد خلقه، لم يكن وأدًا حقيقة، وإنما سماه وأدًا خفيًا في حديث جدامة؛ لأن الرجل إنما يعزل هربًا من الحمل، فأجرى قصده لذلك مجرى الوأد، ولكن الفرق بينهما أن الوأد ظاهر بالمباشرة اجتمع فيه القصد والفعل، والعزل يتعلق بالقصد فقط، فلذلك وصفه بكونه خفيًا، وهذا الجمع قوي.

وقد ضعِّف أيضًا حديث جدامة - أعني الزيادة التي في آخره - بأنه تفرد بها سعيد بن أبي أيوب عن أبي الأسود، رواه مالك ويحيى بن أيوب عن أبي الأسود فلم يذكراها، وبمعارضتها لجميع أحاديث الباب، وقد حذف هذه الزيادة أهل السنن الأربع، وقد احتج بحديث جدامة من قال بالمنع عن العزل كابن حبان، انتهى.

وقد ذكر الحافظ (١) وجهًا آخر في الجمع بين الحديثين، ولم يذكره


(١) "فتح الباري" (٩/ ٣٠٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>