للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

وحديث ثوبان هذا كان يصححه أحمد، والحديث الثاني حديث عكرمة عن ابن عباس: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - احتجم وهو صائم"، وحديث ابن عباس هذا صحيح.

فذهب العلماء بهذين الحديثين ثلاثة مذاهب، أحدها: (١) مذهب الترجيح، والثاني: مذهب الجمع، والثالث: مذهب الإسقاط عند التعارض والرجوع إلى البراءة الأصلية إذا لم يعلم الناسخ من المنسوخ.

فمن ذهب مذهب الترجيح قال بحديث ثوبان، وذلك أن هذا موجب حكمًا، وحديث ابن عباس رافعه، والموجب مرجح عند كثير من العلماء على الرافع؛ لأن الحكم إذا ثبت بطريق يوجب العمل لم يرتفع إلَّا بطريق يوجب العمل برفعه، وحديث ثوبان قد وجب العمل به، وحديث ابن عباس يحتمل أن يكون ناسخًا، ويحتمل أن يكون منسوخًا، وذلك شك، والشك لا يوجب عملًا، ولا يرفع العلم الموجب للعمل، وهذا على طريقة من لا يرى الشك مؤثرًا في العلم.

ومن رام الجمع بينهما حمل حديث النهي على الكراهية، وحديث الاحتجام على رفع الخطر.

ومن أسقطهما للتعارض قال: بإباحة الاحتجام للصائم، انتهى.

قلت: والذين رجَّحوا حديث ابن عباس وعملوا به أوَّلوا حديث: "أفطر الحاجم والمحجوم"، بأن المراد به أنهما سيفطران كقوله تعالى: {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا} (٢) أي ما يؤول إليه، وكذا قال البغوي في "شرح السنَّة": معنى قوله: "أفطر الحاجم والمحجوم" أي: تعرَّضا للإفطار، أما الحاجم فلأنه لا يأمن وصول شيء من الدم إلى جوفه من المص، وأما المحجوم فإنه لا يأمن


(١) في الأصل: "أحدهما"، وهو تحريف.
(٢) سورة يوسف: الآية ٣٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>