للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

فهو أن الكفارة في المواقعة وجبت لكونها إفسادًا لصوم رمضان من غير عذر ولا سفر على ما نطق به الحديث، والأكل والشرب إفساد لصوم رمضان متعمدًا من غير عذر ولا سفر، فكان إيجاب الكفارة هناك إيجابًا ها هنا دلالة.

والدليل على أن الوجوب في المواقعة لما ذكرنا وجهان، أحدهما مجمل، والآخر مفسر، أما المجمل فاستدلال بحديث الأعرابي، وأما المفسر فلأن إفساد صوم رمضان ذنب، ورفع الذنب واجب عقلًا وشرعًا لكونه قبيحًا، والكفارة تصلح رافعة له, لأنها حسنة، وقد جاء الشرع بكون الحسنات ذاهبة للسيئات، إلا أن الذنوب مختلفة المقادير، وكذا الروافع لها لا يعلم مقاديرها إلَّا الشارع للأحكام، وهو الله تعالى، فمتى ورد الشرع في ذنب خاص بإيجاب رافع خاص، ووجد مثل ذلك الذنب في موضع آخر، كان ذلك إيجابًا لذلك الرافع فيه، ويكون الحكم فيه ثابتًا بالنص لا بالتعليل والقياس (١).

وقال الإمام السرخسي في "المبسوط" (٢): ولنا حديث أبي هريرة: أن رجلًا قال: يا رسول الله أفطرت في رمضان فقال: "من غير مرض ولا سفر؟ "، فقال: نعم، فقال: "أعتق رقبة"، وذكر أبو داود أن الرجل قال: شربت في رمضان، وقال علي - رضي الله عنه -: إنما الكفارة في الأكل والشرب والجماع.

ثم نحن لا نوجب الكفارة بالقياس، وإنما نوجبها استدلالًا بالنص، لأن السائل ذكر المواقعة، وعينها ليس بجناية، بل هو فعل في محل مملوك، وإنما الجناية الفطرية، فتبين أن الموجب للكفارة فطر وهو جناية، ألا ترى أن الكفارة تضاف إلى الفطر، والواجبات تضاف إلى أسبابها؟ والدليل عليه أنه لا تجب على الناسي لانعدام الفطر، والفطر الذي هو جناية متكاملة يحصل بالأكل كما يحصل بالجماع، ولأنه آلة له، ويتعلق الحكم بالسبب لا بالآلة.


(١) ذكر صاحب "البدائع" بعد ذلك القياس، تركه الشيخ اختصارًا. (ش).
(٢) (٣/ ٧٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>