ثم إيجابه في الأكل أولى، لأن الكفارة وجبت زاجرة، ودعاء الطبع في وقت الصوم إلى الأكل أكثر منه إلى الجماع، والصبر عنه أشد، فإيجاب الكفارة فيه أولى، كما أن حرمة التأفيف يقتضي حرمة الشتم بطريق الأولى، ثم لأجل العبادة استوى حرمة الجماع وحرمة الأكل بخلاف حال عدم الملك، فإن حرمة الجماع أغلظ حتى تزيد حرمة الجماع على حرمة الأكل، وبخلاف الحج فإن حرمة الجماع فيه أقوى، حتى لا يرتفع بالحلق، والدليل على المساواة هنا فصل الناسي، فقد جعلنا النص الوارد في الأكل حال النسيان كالوارد في الجماع، فكذلك يجعل النص الوارد في إيجاب الكفارة بالمواقعة كالوارد في الأكل، انتهى.
ثم استدلوا بالقياس على المواقعة وهو أن الكفارة هناك وجبت للزجر عن إفساد صوم رمضان صيانة له في الوقت الشريف، لأنها تصلح زاجرة، والحاجة مست إلى الزاجر، أما الصلاحية فلأن من تأمل أنه لو أفطر يومًا من رمضان لزمه إعتاق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينًا لامتنع منه.
وأما الحاجة إلى الزجر فلوجود الداعي الطبعي إلى الأكل والشرب والجماع، وهو شهوة الأكل والشرب والجماع، وهذا في الأكل والشرب أكثر، لأن الجوع والعطش يقلل الشهوة، فكانت الحاجة إلى الزجر عن الأكل والشرب أكثر، فكان شرع الزاجر هناك شرعًا ها هنا من طريق الأولى، وعلى هذه الطريقة يمنع عدم جواز إيجاب الكفارة بالقياس.
وأما المسألة الثانية: وهو إذا جامع ناسيًا لصومه، فإن الشافعي وأبا حنيفة يقولان: لا قضاء عليه ولا كفارة، وقال مالك: عليه القضاء دون الكفارة، وقال أحمد وأهل الظاهر: عليه القضاء والكفارة، واحتج الشافعي وأبو حنيفة بما أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه، فإنما