للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ بِمَنْ يَصُومُ يَوْمَيْنِ وَيُفْطِرُ يَومًا؟ قَالَ: "أَوَ يُطِيقُ ذَلِكَ أَحَدٌ"؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَكَيْفَ بِمَنْ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَومًا؟ قَالَ: "ذَاكَ صَوْمُ دَاوُدَ".

===

لأنه إذا اعتاد ذلك لم يجد رياضة ولا كلفة يتعلق بها مزيد ثواب، فكأنه لم يصم، وحيث لم ينل راحة المفطرين ولذتهم فكأنه لم يفطر، قال مالك والشافعي: وهذا في حق من أدخل الأيام المنهية في الصوم، وأما من لم يدخلها فلا بأس عليه في القوم ما عداها, لأن أبا طلحة الأنصاري وحمزة بن عمرو الأسلمي كانا يصومان الدهر سوى هذه الأيام، ولم ينكر عليهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

أو علة النهي أن ذلك الصوم يجعله ضعيفًا، فيعجز عن الجهاد وقضاء الحقوق، فمن لم يضعف فلا بأس عليه، قال ابن الهمام (١): يكره صوم الدهر، لأنه يضعفه أو يصير طبعًا له، ومبنى العبادة على مخالف العادة.

(قال) عمر - رضي الله عنه -: (يا رسول الله، كيف بمن يصوم يومين ويفطر يومًا؟ قال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جوابه: (أَوَ) الهمزة للاستفهام، والواو للعطف على المقدر، أي: أتقول ذلك و (يطيق ذلك أحد؟ )، فيه إشارة إلى أن العلة في نهي صوم الدهر إنما هو الضعف، فيكون المعنى أنه إن أطاقه أحد فلا- بأس، أو هو أفضل.

(قال) عمر: (يا رسول الله، فكيف بمن يصوم يومًا ويفطر يومًا؟ قال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ذاك صوم داود) يعني وهو في غاية من الاعتدال ومراعاة لجانب العبادة والعادة بأحسن الأحوال، ولذا قال بعض العلماء: اجتهد في العلم بحيث لا يمنعك من العمل، واجتهد في العمل بحيث لا يمنعك من العلم، فخير الأمور أوساطها، وشرها تفريطها وإفراطها، وكذا ورد: "أفضل الصيام صيام داود عليه السلام".


(١) "فتح القدير" (٢/ ٣٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>