وقال السندي (١): ظاهره أن المعتكف يشرع في الاعتكاف بعد صلاة الصبح، ومذهب الجمهور أنه يشرع من ليلة الحادي والعشرين، وقد أخذ بظاهر الحديث قوم إلَّا أنهم حملوه على أنه يشرع من صبح الحادي والعشرين، فرد عليه الجمهور بأن المعلوم أنه كان - صلى الله عليه وسلم - يعتكف العشر الأواخر، ويحث الصحابة عليه، وعدد العشر عدد الليالي، فتدخل فيه الليلة الأولى، وإلَّا لا يتم هذا العدد أصلًا، وأيضًا من أعظم ما يطلب بالاعتكاف إدراك ليلة القدر، وهي قد تكون ليلة الحادي والعشرين كما جاء في حديث أبي داود، فينبغي له أن يكون معتكفًا فيها، لا أن يعتكف بعدها.
وأجاب النووي عن الجمهور بتأويل الحديث أنه دخل معتكفه وانقطع فيه وتخلى بنفسه بعد صلاة الصبح، لا أن ذلك وقت ابتداء الاعتكاف، بل كان قبل المغرب معتكفًا لابثًا في جملة المسجد، فلما أصبح انفرد، انتهى.
ولا يخفى أن قولها:"كان إذا أراد أن يعتكف"، يفيد أنه كان يدخل المعتكف حين يريد الاعتكاف، لا أنه يدخل في الشروع في الاعتكاف في الليل، وأيضًا المتبادر من لفظ الحديث أنه بيان لكيفية الشروع في الاعتكاف و [على] هذا التأويل لم يكن بيانًا لكيفية الشروع، ثم لازم هذا التأويل أن يقال: السنة للمعتكف أن يلبث أول ليلة في المسجد، ولا يدخل في المعتكف، وإنما يدخل فيه من الصبح، وإلَّا يلزم ترك العمل بالحديث، وعند تركه لا حاجة إلى التأويل، والجمهور لا يقول بهذه السنَّة، فيلزم عليهم ترك العمل بالحديث.
وأجاب القاضي أبو يعلى من الحنابلة يحمل الحديث على أنه كان يفعل ذلك في يوم العشرين، ليستظهر ببياض يوم زيادة قبل العشر.
قلت: وهذا الجواب هو الذي يفيده النظر في أحاديث الباب فهو أولى، وبالاعتماد أحرى.