للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

فالنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأمر بالغسل، وبَيَّن المعنى، وهو أنهم يُبْعَثُون يوم القيامة وأوداجهم تشخب دمًا، فلا يُزَال عنهم الدمُ بالغسل ليكون شاهدًا لهم يوم القيامة، وبه تَبَيَّنَ أن ترك غسل الشهيد من باب الكرامة، وأن الشهادة جُعِلَتْ مانعة عن حلول نجاسة الموت.

وما ذكر من تعذر الغسل غير سديد؛ لما بينا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بأن يزملوهم بدمائهم فبين المعنى، ولأن ترك الغسل لو كان للتعذر لأَمَرَ أن يُيَمَّمُوْا، كما لو تعذر غسل الميت في زماننا لعدم الماء.

والثاني: أنه يكفَنُ في ثيابه غير أنه يُنْزَعُ (١) عنه الجلد، والسلاح، والفرو، والحشو، والخف، والمنطقة، والقلنسوة، وعند الشافعي: لا يُنْزَعُ عنه شيء مما ذكرنا لقوله عليه السلام: "زَمِّلوهم بثيابهم".

ولنا ما روي عن علي - رضي الله عنه - أنه قال: "تُنْزَعُ عنه العمامةُ والخفان والقلنسوة"، وهذا لأن ما يُتْرَكُ يُتْرَك ليكون كفنًا، والكفن يُلْبَسُ للستر، وهذه الأشياء تُلْبَسُ إما للتجمل والزينة، أو لدفع البرد، أو لدفع معرة السلاح، ولا حاجة للميت إلى شيء من ذلك، فلم يكن شيء من ذلك كفنًا، وبه تبين أن المراد من قوله - صلى الله عليه وسلم -: "زملوهم بثيابهم"؛ الثياب التي يُكْفَنُ بها وتُلْبَسُ للستر.

وقال الشافعي (٢) - رحمه الله -: إنه لا يُصَلَّى عليه كما لا يُغْسَلُ، واحتج بما روي عن جابر: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما صلى على أَحَد من شهداء


(١) واختلف فيما ينزع عنه كثيرًا، بسط في "الأوجز" (٩/ ٣٧١). (ش).
(٢) وبه قال مالك وأحمد في رواية, وفي الأخرى له: يُصَلَّى عليه، كذا في "الأوجز" (٩/ ٣٦٨)، ومستدل الحنفية سيأتي في "باب الصلاة على القبر بعد حين"، وتقدَّم في "باب في الرجل يموت بسلاحه" ما هو حجة على الشافعية، وذكر بعضها العيني (٦/ ٢١٠)، والزيلعي (٢/ ٣٠٧)، وبسط الشوكاني أيضًا الدلائل، ورجَّح الصلاة. [انظر: "نيل الأوطار" (٢/ ١٣٦)]. (ش).

<<  <  ج: ص:  >  >>