للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

ومعلوم أن ذلك النهي في اليمين أوكد وأشد ممن حلف على شيء بلا ثنيا، فقد صار عاصيًا بإتيان ما نُهي عنه، فتجب الكفارة لدفع ذلك الإثم عنه.

ولنا: أن الواجب كفارة، والكفارة تكون للسيئات، إذ من البعيد تكفير الحسنات، فالسيئات تكفر بالحسنات، قال الله سبحانه وتعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} (١)، وعقد اليمين مشروع قد أقسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غير موضع، وكذا الرسل المتقدمة عليهم الصلاة والسلام، قال الله تعالى خبرًا عن إبراهيم عليه الصلاة والسلام أنه قال: {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ} (٢)، وقال خبرًا عن أولاد يعقوب عليهم الصلاة والسلام أنهم قالوا: {قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ} (٣).

وكذا أيوب عليه الصلاة والسلام كان حلف أن يضرب امرأته فأمره الله سبحانه بالوفاء بقوله: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ} (٤)، والأنبياء عليهم السلام معصومون عن الكبائر (٥) والمعاصي، فدل أن نفس اليمين ليس بذنب.


(١) سورة هود: الآية ١١٤.
(٢) سورة الأنبياء: الآية ٥٧.
(٣) سورة يوسف: الآية ٨٥.
(٤) سورة ص: الآية ٢٤.
(٥) وفيه أن الكفارة إذا كانت للكبيرة فكيف قوله عليه السلام: "إلَّا كفرتُ عن يميني"؟ فهو اختيار منه عليه الصلاة والسلام الكبيرةَ سواء كانت يمينًا أو حنثًا، فتأمل.
كذا في هامش الشيخ، قلت: يمكن أن يجاب عنه بأن الحكم يختلف باختلاف الجهات، فحاصل ما في "البذل" أن وجوب الكفارة يقتضي سبق السيئة والذنب، والسيئة إنما هي الحنث لا اليمين، إذ في الحنث هتك حرمة الإثم، لكن الحنث قد يكون خيرًا من جهة أخرى، وهي ما إذا كان المحلوف عليه خلاف الأولى أو غير جائز، فحينئذٍ الحنث أولى، فاختياره - صلى الله عليه وسلم - الحنث بهذه الحيثية مع أن كلامه - صلى الله عليه وسلم -: "لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرًا منها ... إلخ"، ليس إلَّا على سبيل الفرض أو تعليمًا للأمة، والله أعلم. (ع).

<<  <  ج: ص:  >  >>