للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إذا حلفتم فاحلفوا بالله أيضًا" (١)، وقال: "ومن كان حالفًا فليحلف بالله أو ليذر" (٢)، أمر - صلى الله عليه وسلم - باليمين بالله تعالى، فدل أن نفس اليمين ليس بذنب، فلا يجب التكفير لها، وإنما يجب للحنث لأنه هو المأثم في الحقيقة، ومعنى الذنب فيه أنه عاهد الله تعالى أن يفعل كذا، فالحنث يخرج مخرج نقض العهد منه، فيأثم بالنقض لا بالعهد، ولذلك قال تعالى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} (٣).

ولأن عقد اليمين يخرج مخرج التعظيم والتبجيل لله تعالى، وجعله مفزعًا إليه، ومأمنًا عنه، فيمتنع أن تجب بالكفارة محوًا له وسترًا، وتبين بطلانُ قولهم: إن الحالف يصير عاصيًا بترك الاستثناء في اليمين؛ لأن الأنبياء- صلوات الله عليهم أجمعين- تركوا الاستثناء في اليمين، ولم يجز وصفهم بالمعصية، فدل أن ترك الاستثناء في اليمين ليس بحرام، وإن كان تركه في مطلق الوعد منهيًّا عنه، وذلك- والله عَزَّ وَجَلَّ أعلم- لوجهين:

أحدهما: أن الوعد إضافة الفعل إلى نفسه بأن يقول: أفعل غدًا كذا، وكل فعل يفعله تحت مشيئة الله تعالى، فإن فِعْله لا يتحقق لأحد إلَّا بعد تحقيق الله تعالى منه، ولا يتحقق منه الاكتساب لذلك إلَّا بإقراره (٤)، فيندب أي (٥) قرآن الاستثناء بالوعد ليوفق على ذلك، ويعصم عن الترك، وفي اليمين يذكر الاستثناء (٦) بالله تعالى على طريق التعظيم، وقد استغاث بالله تعالى وإليه فزع، فليتحقق التعظيم الذي يحصل به الاستثناء وزيادة، فلا معنى للاستثناء.


(١) أخرجه البخاري (٦٦٤٦)، ومسلم (١٦٤٦) عن ابن عمر رضي الله عنه مرفوعًا.
(٢) أخرجه مسلم (١٦٤٨) من حديث عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه.
(٣) سورة النحل: الآية ٩١.
(٤) كذا في الأصل، وفي "البدائع" (٣/ ٣٣): "بإقداره".
(٥) كذا في الأصل، وفي "البدائع" (٣/ ٣٣): "فيندب إلى".
(٦) كذا في الأصل، وفي "البدائع" (٣/ ٣٣): "الاستشهاد".

<<  <  ج: ص:  >  >>