للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

وأيضًا لو سلمنا أن المراد أكلُها، فلو أكل أحد لحم الجمل نيئًا غير مطبوخ، هل ينقض وضوؤه أم لا؟ فلو قلتم: إنه ينقض الوضوء، فما الفرق بين الأكل نيًّا وبين مَسِّه بعضو من أعضائه من اليد واللسان، ولو قلتم: إنه لا ينقض الوضوء إلَّا بالنضيج منه، فما الدليل على هذا التخصيص عندكم، والحديث عام يشمل النضيج والنيئ؟

قلنا: قال الشوكاني (١): وقد اختلف في ذلك، فذهب الأكثرون إلى أنه لا ينقض الوضوء، قال النووي: ممن ذهب إلى ذلك الخلفاء الأربعة، وابن مسعود، وأُبَيّ بن كعب، وابن عباس، وأبو الدرداء، وأبو طلحة، وعامر بن ربيعة، وأبو أمامة، وجماهير من التابعين، ومالك، وأبو حنيفة، والشافعي وأصحابهم، فإنهم لا يرون الوضوء بأكل لحوم الإبل ولا بمسها، فلا يحتاج إلى الجواب.

وذهب إلى انتقاض الوضوء به (٢) أحمدُ بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، ويحيى بن يحيى، وأبو بكر بن المنذر، وابن خزيمة، واختاره الحافظ أبو بكر البيهقي، وحكى عن أصحاب الحديث مطلقًا، وحكى عن جماعة من الصحابة.

فيمكن الجواب عما ذهبوا إليه بأن الوجوب والحرمة إذا نسب إلى الشيء، فالنسب إليه باعتبار الفعل الذي يتعلق به باعتبار ما هو من أعظم منافعه، فلما نسب وجوب الوضوء إلى لحوم الإبل، وأعظم منافع اللحوم ليس إلَّا الأكل، فنُسِبَ وجوب الوضوء إلى أكلها لا لغيره من الأفعال من المسِّ وغيرها.


(١) "نيل الأوطار" (١/ ٢٦٠).
(٢) ولو نيئًا، لكن باللحم فقط لا الكبد والطحال وغيرها، كذا في "نيل المآرب" (١/ ٦٩). (ش).

<<  <  ج: ص:  >  >>