للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

الأمة بالجلد، ولم يأمر مع الجلد بنفي، وكان حكم الجلد عامًا للحر والمملوك، فعلمنا بذلك أن الحرة إذا زنت ليس عليها النفي، ولا على الرجل كذلك، واستدللنا بذلك أن النفي ليس بداخل في الحد؛ لأن الحد لا يُترك، بل هو على التعزير إذا رأى الإِمام في ذلك مصلحة يحكم بالنفي.

وقال في "البدائع" (١): ولنا قوله عز وجل: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِى فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ}. (٢) والاستدلال به من وجهين:

أحدهما: أنه عَزَّ وَجَلَّ أمر بجلد الزانية والزاني، ولم يذكر التغريبَ، فمن أوجبه فقد زاد على كتاب الله عز وجل، والزيادة عليه نسخ، ولا يجوز نسخ النص بخبر الواحد.

والثاني: أنه سبحانه وتعالى جعل الجلد جزاء، والجزاء اسم لما تقع به الكفايةُ، مأخوذ من الاجتزاء، وهو الاكتفاء، فلو أوجبنا التغريبَ لا تقع الكفاية بالجلد، وهذا خلاف النص.

ولأن التغريب تعريض للمغرَّب على الزنا؛ لأنه ما دام في بلده يمتنع عن العشائر والمعارف حياء منهم، وبالتغريب يزول هذا المعنى، فيعرى الداعي عن الموانع فيقدم عليه، والزنا قبيح، فما أفضى عليه مثلُه.

وفعلُ الصحابة محمول على أنهم رأوا ذلك مصلحة على طريق التعزير، ألا يرى أنه روي عن سيدنا عمر - رضي الله عنه -: "أنه نفى رجلًا فلحق بالروم فقال: لا أنفي بعدها أبدًا" (٣).

وعن سيدنا علي - رضي الله عنه - أنه قال: "كفى بالنفي (٤) فتنة"، فدل


(١) "بدائع الصنائع" (٥/ ٤٩٦).
(٢) سورة النور: الآية ٢.
(٣) أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (١٣٣٢٠).
(٤) المصدر السابق (١٣٣٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>